‏أفغانستان ومؤتمر المناخ العالمي؛ يجب إصلاح ما أفسدته الأسلحة الأمريكية والحروب المدمرة

من أبرز القضايا التي يجب أن يأخذها العالم في الحسبان ويكون نصب أعين خبراء البيئة والجهات المانحة في هذا الإطار هي إعادة تأهيل الغابات في أفغانستان، فلقد تعرضت غابات أفغانستان لتدمير واسع نتيجة القصف والقتال المستمر، ما أثر بشكل كبير على التنوع البيولوجي والمناخ المحلي. 

 

بعد عقود من الحروب المدمرة والاحتلالات المتتالية، أتيحت لأفغانستان فرصة تاريخية لرفع صوتها في الصعيد الدولي خلال مشاركتها في المؤتمر الدولي للتغير المناخي.

هذه المشاركة ليست مجرد خطوة رمزية؛ بل هي لحظة مفصلية تسلط الضوء على التحديات البيئية الضخمة التي تواجهها البلاد، كما تقدم فرصًا حقيقية للتعاون الدولي في مجال حماية البيئة.

منذ استعادة الإمارة الإسلامية للسلطة في أفغانستان، ظلت البلاد في حالة انقطاع عن المشهد الدولي في العديد من المجالات بسبب الضغوط التي تمارسها ‎الولايات المتحدة وحلفاؤها على الدول لمنعها من التعامل مع الحكومة الجديدة في أفغانستان، ومن بين تلك المجالات مجال التغيرات المناخية وأنشطة حماية البيئة.

إلا أن القيادة الحكيمة لإمارة أفغانستان الإسلامية استطاعت بفضل الله تخطي هذه الضغوط وتبعاتها كما أن التعامل الإيجابي في كثير من المجالات لا سيما المجال الدبلوماسي والاقتصادي والتجاري قد بدأ بالفعل مع الحكومة الأفغانية الجديدة.

كما تمكنت السلطات الجديدة في أفغانستان من توفير الفرصة للمشاركة الأفغانية في المؤتمر الدولي بشأن التغيرات المناخية والذي يعكس تحولًا في النهج، ويؤكد على التزام أفغانستان بالمساهمة في الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي رغم التحديات الكبرى التي تواجهها.

أفغانستان: دولة منكوبة بيئيًا

أفغانستان، التي عانت من حروب مستمرة لأكثر من أربعة عقود، تواجه اليوم أزمات بيئية حادة نتيجة لتلك الصراعات وأسلحة الدمار الشاملة التي استخدمها المحتلون طيلة هذه العقود ومنها “أم القنابل” أضخم قنبلة استخدمها الاحتلال الأمريكي في وادي “شينواري” بولاية ننجرهار شرق أفغانستان.

إن استخدام الأسلحة الثقيلة والمواد المتفجرة على مدى سنوات طويلة أسهم بشكل مباشر في تدمير البيئة، الآثار المدمرة على الأراضي الزراعية، والموارد المائية، والنباتات، تعد جزءًا من الصورة القاتمة التي خلفتها هذه الحروب، بالإضافة إلى ذلك، أدت تلك النزاعات إلى تلوث المياه والتربة بالمواد الكيميائية السامة، ما جعل البيئة الأفغانية واحدة من أكثر البيئات تضررًا في العالم.

لكن المشكلة لا تتوقف عند هذا الحد، إلى جانب تأثيرات التغير المناخي التي لا يمكن تجاهلها، فإن أفغانستان تواجه أيضًا تحديات بيئية ناتجة عن الاحتلالات المتتالية التي دمرت بنيتها التحتية البيئية، مما جعلها ليست مجرد ضحية للتغيرات المناخية العالمية، بل ضحية لتدمير بيئتها من الداخل.

المؤتمر الدولي: منصة لطرح قضايا البيئة الأفغانية

في هذا السياق، شكل مؤتمر التغير المناخي الدولي الذي عقد مؤخرًا في أذربيجان، فرصة نادرة لأفغانستان لعرض قضاياها البيئية على الصعيد الإقليمي والعالمي.

كان الهدف الرئيسي للوفد الأفغاني المشارك في مؤتمر باكو هو تصحيح الصورة المغلوطة المشوهة عن دور أفغانستان في تفاقم التغير المناخي، وتوضيح أنها لم تكن مسؤولة أبدا عن التدهور المناخي الذي طال العالم، لكن في المقابل كانت واحدة من أكثر الدول تضررًا من هذه الظاهرة.

ورغم أن أفغانستان لم تساهم بشكل مباشر في حدوث أزمة المناخ العالمية، إلا أن الحروب الطويلة والعنيفة التي خاضتها البلاد الاستعمارية بما فيها الاتحاد السوفياتي و ‎أمريكا وحلف شمال الأطلسي(الناتو) أدرجت أفغانستانَ في قائمة الدول الأكثر تأثراً بالظروف المناخية القاسية.

واستمرار استخدام الأسلحة الثقيلة والمواد الكيميائية في الحروب له تأثيرات بعيدة المدى على الأراضي والمياه، ما يجعل مهمة التعافي البيئي في أفغانستان أكثر صعوبة.

استثمار الفرص الدولية؛

ونظرًا للتحديات التي تواجهها أفغانستان في مجال التغيرات المناخية بسبب الحروب المدمرة، فإن المؤتمر في باكو عاصمة أذربيجان يُعد فرصة مهمة لأفغانستان لإعادة التواصل مع العالم الخارجي، خاصة فيما يتعلق بالتعاون في قضايا التغير المناخي.

وخلال المؤتمر، استطاع الوفد الأفغاني أن يوضح بشكل مؤثر أنه بالرغم من الظروف الصعبة، تمتلك أفغانستان موارد طبيعية كبيرة يمكن أن تساهم في التخفيف من آثار التغيرات المناخية.

وقد أشار الوفد خلال المؤتمر إلى أن أفغانستان، مثل غيرها من البلدان النامية، تمتلك إمكانيات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة، وفي استعادة الأراضي الزراعية المتدهورة، إضافة إلى إعادة بناء الغابات التي تضررت بشدة بسبب النزاعات.

كما أن هذه المشاركة تتيح لأفغانستان أن تبين للعالم أنها ليست مجرد ضحية، بل لاعب قادر على تقديم مساهمات هامة في الجهود الدولية لمكافحة التغير المناخي.

وتبرز هذه النقطة في الحاجات الماسة إلى إعادة تأهيل البيئة الأفغانية، والتي تشمل استعادة الغابات المتضررة، وحماية مصادر المياه التي تعتبر شريان الحياة للبلاد، ومن خلال هذه المبادرات، يمكن أن تصبح أفغانستان نقطة محورية في المنطقة فيما يتعلق بحلول تغير المناخ.

الأبعاد الاقتصادية والتقنية للتعاون الدولي؛

ومن الأبعاد المهمة لهذه المشاركة هو إمكانية أفغانستان في الاستفادة من التكنولوجيا والمعرفة المتطورة التي يمكن أن توفرها الدول المتقدمة.

أفغانستان، التي كانت قد تأخرت في مجال التعاون البيئي بسبب الحروب والعزلة السياسية، باتت اليوم أمام فرصة لتبادل الخبرات مع الدول التي تملك تقنيات متقدمة في مجال الطاقة المستدامة وإدارة الموارد الطبيعية التي تمتلك أفغانستان كمية ضخمة منها.

من خلال التعاون مع هذه الدول، يمكن لأفغانستان الاستفادة من تجارب ناجحة للدول المتقدمة في إدارة المياه، والتخطيط العمراني المستدام، والحد من التلوث البيئي.

كما أن هذا التعاون سيعود بالفائدة على المتخصصين الأفغان، من خلال تدريبهم على المعايير البيئية العالمية، مما يعزز القدرة المحلية على التعامل مع قضايا البيئة بطرق علمية وتقنية أكثر فعالية.

تأهيل الغابات وحماية المياه: الأولويات البيئية

من أبرز القضايا التي يجب أن يأخذها العالم في الحسبان ويكون نصب أعين خبراء البيئة والجهات المانحة في هذا الإطار هي إعادة تأهيل الغابات في أفغانستان، فلقد تعرضت غابات أفغانستان لتدمير واسع نتيجة القصف والقتال المستمر، ما أثر بشكل كبير على التنوع البيولوجي والمناخ المحلي.

إن إعادة تشجير هذه الغابات لا يمكن أن يكون مجرد خطوة بيئية، بل هو ضرورة لتعزيز مصادر المياه، وتحسين نوعية الهواء، والمساهمة في استقرار المناخ المحلي.

كما أن المياه تُعد من الموارد الحيوية التي تحتاج إلى حماية عاجلة، فمع تزايد تأثيرات التغير المناخي على الموارد المائية، يجب أن تعمل أفغانستان ومن خلال تعاون دولي مثمر وجدي على استخدام تقنيات حديثة لحفظ المياه وتخزينها، مثل بناء السدود الصغيرة، واستخدام أنظمة الري الذكية التي تقلل من هدر المياه.

أهمية التوعية والتثقيف البيئي؛

لا يمكن إغفال أهمية تعزيز الوعي البيئي لدى المجتمع الأفغاني، إن التعليم والتثقيف البيئي لا يقتصر فقط على التأثير في السياسة العامة، بل يشمل أيضًا تحفيز الأفراد على تبني سلوكيات مسؤولة بيئيًا، إذ يمكن أن يساعد هذا الأمر في تقليل التأثيرات السلبية لتغير المناخ على المجتمعات المحلية، ويسهم في تحسين جودة الحياة في أفغانستان بشكل عام.

إن مشاركة أفغانستان في مؤتمر المناخ الدولي تمثل نقطة تحول استراتيجية في تعامل البلاد مع قضايا البيئة والمناخ، ورغم ما تحمله البلاد من جراح بيئية عميقة نتيجة الحروب والتدمير المستمر، فإن هذه الفرصة تتيح لها أن تبرز كداعم رئيسي في الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي، بينما تفتح المجال للتعاون مع المجتمع الدولي في تنفيذ مشاريع بيئية فعالة.

إن التحديات التي تواجه أفغانستان في مجال البيئة ضخمة، لكنها ليست مستعصية، ومن خلال الاستفادة من الفرص الدولية وتعزيز التعاون الفني والتكنولوجي، يمكن لأفغانستان أن تستعيد جزءًا من مواردها الطبيعية، وتساهم بشكل كبير في التصدي لتحديات المناخ التي تواجهها المنطقة والعالم.