أيُّنا أحقُ باللوم؟ هم أم نحن؟

وهكذا كان. فبعد سنوات قليلة رأينا بأعيننا أن مراكز المديريات والولايات كانت تسقط بأيدي المجاهدين كتساقط أوراق الشجر في الخريف، حتى سقطت أفغانستان كلها بأيدي المجاهدين، وولت أمريكا هاربة تجرّ أذيال الخيبة والخزي والعار، ولله الحمد.

تمرّ الشعوب المضطهدة والمقهورة بمراحل عصيبة وصعبة خلال عملية التحرر والاستقلال، وذلك لما تجلبه الحرب من الويلات والمآسي والكوارث، ولما تحتاجه المقاومة من تجشم المخاطر وركوب المهالك، وبما تميل إليه النفوس من الدعة والراحة والسكون، وما تهواه من استعجال الثمرة وكثرة التشكي وقلة الصبر.

 

وخاصة من یرفع منهم علم المقاومة والکفاح؛ یتعرضون لضغوط متتالیة، وهزات متوالیة؛ من قتل القادة، وخسائر نفسیة وعسکریة، إضافة إلی التشویه والتهمیش، وخذلان القاصي والداني، وحملات الملامة والعتاب، ودعوات الاستسلام والتنازل للعدو، ليعطوا الدنية في دينهم وعقيدتهم، أو ليلينوا أو يستكينوا.

 

قال الله ﷻ: ﴿قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾[الأعراف: 129]. وقال ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[آل عمرانَ:156]

 

لما جرى ويجري على الساحة الفلسطينية من شن عمليات استباقية (طوفان الأقصى) على العدو الصهيوني، ثم همجية الاحتلال وتجاوزه كل المعايير الإنسانية والأخلاقية، وما تعرض له شعبنا هناك من القتل والتهجير والتجويع والتعطيش، والدمار والخراب؛ ارتفعت بعض الأصوات بتخطئة هذا القرار التاريخي.

 

أعترفُ أن الحال شديد والأوضاع صعبة، ولكن الصبر والصمود، والثبات والمقاومة، والعمل الدؤوب، ولو كان قليلاً، يصنع المستحيل ويقلب الموازين بإذن الله.

 

إنّي أتذكر جيداً أنه في بداية المقاومة والجهاد ضد الاحتلال الامريكي، كان الناس يعيـّرون المجاهدين ويقولون لهم بأنكم تناطحون جبل، وتقومون بما لا يعود ضرره إلا عليكم.

 

الآباء یلومون أبناءهم على الذهاب إلی جبهات القتال، والأشقاء یلقون باللوم علی أشقائهم، وهلم جراً. و لم یکن هذا شأن العوام فقط، بل بعض المنتسبین إلی العلم والفضل.

 

بعد الاحتلال الأمريكي بسنوات قليلة، أذكر أنني كنت حاضراً في إحدى المحاضرات لأحد المشايخ المشهورين بالعلم والفضل، وبعد انتهاء المحاضرة طرح عليه أحد الحضور سؤالاً:

 

ما حكم القتال ضد الامريكان وحكومة كرزاي العميلة المفسدة؟

 

فأجابه الشیخ قائلاً: «أنتم أغبیاء! تظنون أنكم ستهزمون أمريكا بهذه المناوشات، وبهذه الأسلحة البسيطة؟ انتبهوا ! لا يمكن مجابهة القوة الأمريكية، اذهبوا، وصالحوا العدو، والتحقوا بحكومة كرزاي».

 

 

 

لم یٌلقِ المجاهدون الأبطال لهذه الدعوات بالاً، ولم یيأسوا بالملامة والعتاب، بل واصلوا جهادهم واستمروا في كفاحهم ضد الاحتلال الأمریكي وحلفائه.

 

بل حتى المجاهدون أنفسهم بلغت قلوبهم الحناجر واستبطأوا النصر حين بلغت جرائم الاحتلال الأمريكي ذروتها إبان استراتيجية (ترامب) الحربية، فكل يوم كنا نسمع أخبار وتقارير عن مداهمات وهجمات وقصف ومجازر في حق الشعب الأفغاني، ويفوق عدد الشهداء والجرحى على العشرات يومياً.

 

إبان هذه الأوضاع الصعبة الشديدة، زارنا معالي وزير الخارجية “أمير خان متقي” مع عدد من الإخوة الإعلاميين ومسؤولي المجاهدين، إذ سأله أحد الإخوة قائلاً:

 

إلى متى سنقارع هذا العدو القوي؟ هل بإمكاننا أن نصرعه بهذه العمليات الضئيلة قليلة الأثر التي لا تزيده إلا شراسة ووحشية؟!

 

فأجابه «متقي» قائلاً: إننا إن لم نصل إلى هدفنا بهذه المقاومة والجهاد، فلا بد وأن نقترب منه.

 

وهكذا كان. فبعد سنوات قليلة رأينا بأعيننا أن مراكز المديريات والولايات كانت تسقط بأيدي المجاهدين كتساقط أوراق الشجر في الخريف، حتى سقطت أفغانستان كلها بأيدي المجاهدين، وولت أمريكا هاربة تجرّ أذيال الخيبة والخزي والعار، ولله الحمد.

 

لقد بلغ بأمتنا اليأس في عصور مختلفة، حتى زعموا أنّ هذه المنطقة لا يفتحها إلا المهدي المنتظر في آخر الزمان، ولكن بعد الجهاد المتواصل والكفاح المستمر فتح الله على أيديهم ومكنهم في الأرض.

 

فبدلًا من إلقاء اللوم علی المجاهدین الأبطال والمقاومین الذین مرّغوا أنف العدو الصهیوني في التراب، یجب أن نلوم أنفسنا، لخذلاننا لمن یدافعون عنا، ولتركنا لواجب الإعداد اللازم والجهاد والمقاومة.