اتفاقية الدوحة؛ سلامُ عزٍ كتب بدماء الأبطال والشهداء

وبعد مرور خمس سنوات على اتفاق الدوحة، لا تزال تتنصل الولايات المتحدة من مسؤولياتها تجاه هذا االاتفاق وتعيق تنفيذه من خلال تحديات مختلفة، مع التزامٍ كامل للإمارة الإسلامية ببنود الاتفاق، أما واشنطن فقد أخلّت بالتزاماتها ولا تزال تتخد خطواتٍ تتعارض مع بنود هذا الاتفاق ولا تضطلع بالمسؤولية في هذا الإطار.

تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على نفوذها من خلال تحقيق بعض المصالح الاستراتيجية، بينما كان من المفترض أن تلتزم بتنفيذ التزاماتها بالكامل، إلا أنها، بدلًا من التحلي بالمسؤولية، تُعرقل العملية وتزيد من التعقيدات.

 

كان احتلال أفغانستان عام 2001 حدثًا ثقيلًا ومعقدًا في تاريخ العالم أجمع، حيث تعرضت البلاد لأهداف استراتيجية عالمية واحتلال مباشر من قبل ‎#الولايات_المتحدة وحلف الناتو، ومع ذلك، كان هناك واقع أكبر وراء هذا الاحتلال: فقد احتلت الولايات المتحدة أرضًا لشعب جعل من بلاده “مقبرة للغزاة والإمبراطوريات” على مر التاريخ، وتحمل في سبيل حريته ونيل استقلاله جميع المكابد والعقبات والمشقات، وخلال فتراتٍ مختلفة من التاريخ، قدّم الأفغان أروع أنموذجٍ من التضحياتِ العظيمةِ لمواجهة التدخلات الأجنبية، لكنهم لم يرضخوا لأي محتلٍ وأجنداتهِ النتنة بمن فيهم الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيّون.

 

وعندما شعرت الولايات المتحدة بثقل الضربات القوية التي وجهها لها الشعب الأفغاني، رضيت مرغمةً أن تجلس على طاولة المفاوضات في ‎الدوحة بهدف إيجاد مخرج عبر الحوار من المأزق الذي وقعت فيه على ثرى ‎أفغانستان وحمايته جنودها من نيران الهجمات التي كان يشنها آسادُ وأبطالُ الإمارةِ الإسلامية، وهكذا، وبعد عدة جولات من المفاوضات، وقع الجانبان الاتفاق عام 2020، مما أدى إلى انسحابٍ كاملٍ للقوات الأمريكية والغربيةِ المحتلّةِ من أفغانستان.

 

وكعادتها لم تلتزم الولايات المتحدة بعدد من بنود الاتفاقية التي وقعّت عليها مع الإمارة الإسلامية في ‎#قطر ومن أبرز هذه البنود التالي:

 

* عدم إنهاء العقوبات المفروضة على قادة الإمارة الإسلامية، وعدم إزالة رفع أسمائهم من القوائم السوداء الأمريكية.

 

* انتهاك المجال الجوي الأفغاني من قبل ‎الولايات المتحدة بشكل مكرر، الأمرُ الذي يُعَدّ انتهاكا صارخا للاتفاق.

 

* فرض العقوبات الاقتصادية على ‎أفغانستان الأمر الذي يضر بالشعب الأفغاني في المقام الأول والذي يواجه أزماتٍ عديدة بسبب الاحتلال الأمريكي الغاشم الذي تعرض له لفترةِ عشرين عاما وتبعاته السيئة.

 

* كما أن تصريحات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الأخيرة غير المنضبطة قد ازداد بشكل مكثف خلال الآونة الأخيرة لا سيما فيما يتعلق بالأسلحة الأمريكية التي اغتنمتها جنود الإمارة الإسلامية خلال الحرب بينها وبين المحتلين.

 

أما في المقابل، فقد أوفت الإمارة الإسلامية بتعهداتها وفقًا للاتفاقية، حيث منعت استخدام الأراضي الأفغانية لتهديد الدول المجاورة أو المجتمع الدولي، كما تمكنت من القضاء على تنظيم داعش الإجرامي داخل البلاد، والتصدي لكافة المخاطر والتحديات الأمنية.

 

كان هذا الالتزام جزءًا أساسيًا من اتفاقية الدوحة، لكن ‎الولايات المتحدة_ لأميركية، بذريعة المخاوف الأمنية، لا تزال تنتهك المجال الجوي الأفغاني، مما يمثل اعتداءً واضحًا على السيادة الوطنية الأفغانية، ويتعارض مع نصوص الاتفاق بشكل مباشر.

 

علاوة على ذلك، سعت الإمارة الإسلامية منذ توقيع الاتفاق إلى إعادة بناء الاقتصاد الأفغاني وتهيئة الظروف للتعامل الدولي، وعلى الرغم من العقوبات، زاد حجم الإيرادات الداخلية، ودُشِنت مشاريعُ اقتصادية كبرى في البلاد، كما فعّلتِ الإمارةُ الإسلامية طرق التجارة مع الدول المجاورة، وأمريكا التي ألحقت الضرر بالاقتصاد الأفغاني بدلاً من احترام التقدم الاقتصادي لأفغانستان كما تنصُّ الاتفاقيةُ، واصلت فرض العقوبات لعرقلة هذا التقدم، واستمرت في تجميد الأصول الأفغانية، ومنع البلاد من الوصول إلى النظام المالي العالمي، مما يُعد انتهاكًا للاتفاق وعائقًا كبيرًا أمام رفاهية الشعب الأفغاني.

 

وبعد مرور خمس سنوات على اتفاق الدوحة، لا تزال تتنصل الولايات المتحدة من مسؤولياتها تجاه هذا االاتفاق وتعيق تنفيذه من خلال تحديات مختلفة، مع التزامٍ كامل للإمارة الإسلامية ببنود الاتفاق، أما واشنطن فقد أخلّت بالتزاماتها ولا تزال تتخد خطواتٍ تتعارض مع بنود هذا الاتفاق ولا تضطلع بالمسؤولية في هذا الإطار.

 

تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على نفوذها من خلال تحقيق بعض المصالح الاستراتيجية، بينما كان من المفترض أن تلتزم بتنفيذ التزاماتها بالكامل، إلا أنها، بدلًا من التحلي بالمسؤولية، تُعرقل العملية وتزيد من التعقيدات.

 

يجب على واشنطن ألا تحصر اتفاق الدوحة في مجرد الانسحاب من أفغانستان، بل عليها تنفيذ جميع بنوده، فكل الأطراف ملزمة بتنفيذ تعهداتها، وخاصة الولايات المتحدة، التي لم تلتزم بالعديد من بنود الاتفاق.

 

إذا كان الهدف هو تحقيق السلام والاستقرار الدائمين، فعلى الولايات المتحدة أن تؤدي دورها بالكامل، وأن تفي بتعهداتها، وأن تتبنى سياسة شفافة وغير منحازة تجاه تقدم أفغانستان، لما فيه مصلحة جميع الأطراف.