ازدواجية المعايير في عالمنا المعاصر

قد يكون مؤتمر إسلام آباد بمثابة رمز لهذه الازدواجية التي تعكس التناقضات الواضحة في السياسات الدولية التي تُظهر اهتمامًا فقط بالقضايا التي تتناسب مع مصالحها، بينما تغفل أو تتجاهل تلك القضايا التي تتطلب التدخل الفوري والجاد.

‏ازدواجية المعايير في عالمنا المعاصر

 

تتجلى ازدواجية العالم المعاصر بوضوح في الأحداث والتناقضات التي نشهدها اليوم، وأوضح مثال عليه هو ذلك المؤتمر الذي انعقد في العاصمة الباكستانية إسلام آباد بدعوة من رابطة العالم الإسلامي، حيث تم مناقشة قضايا تعليم النساء والفتيات في المجتمعات المسلمة بما فيها ‎#أفغانستان، بينما تغاضى المشاركون تماما قضايا أخرى ملحة، مثل معاناة النساء في مناطق أخرى من العالم، وهذه التناقضات تعكس واقعًا عالميًا يتسم بالنفاق والانتقائية في التعامل مع القضايا الإنسانية.

 

وباكستان التي استضافت هذا المؤتمر، كان من المفترض أن تكون على رأس أولوياتها قضايا الحقوق الإنسانية التي تشمل الجميع دون استثناء، ففي وقت يتحدث فيه المسؤولون الباكستانيون المشاركون في هذا المؤتمر ومنظموه عن تعليم النساء في أفغانستان، يغضون الطرف عن قضية عافية صديقي، العالمة الباكستانية التي أُسِرت في باكستان ثم جرى تسليمها إلى ‎أمريكا وهي تقبع حاليا في سجون ‎الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات، فلم تتخذ باكستان خطوة ملموسة لتسليط الضوء على قضيتها، رغم أن قضيتها شاهدة على ظلم الأمريكيين والمتعاونين معهم، وبدلاً من ذلك، تُركز الاهتمام على قضية واحدة للنيل من الإمارة الإسلامية والضغط عليها، متجاهلةً قضايا أخرى أكثر جدية.

وبينما يتجسد هذا التناقض في الداخل الباكستاني، تظهر صورة أخرى تبرز بشدة في سياسات المنطقة، إذ أن باكستان نفسها، التي تحتضن هذا المؤتمر الدولي حول تعليم المرأة، هي ذاتها التي كانت قد نفذت عمليات قصف استهدفت المدنيين في أفغانستان، بما في ذلك عشرات النساء والأطفال، وهذه الممارسات تُظهر تفاوتًا صارخًا بين الدعوات المعلنة للنهوض بحقوق المرأة وبين الأفعال التي تُمارس على أرض الواقع.

أما فيما يتعلق بالمجتمع الدولي الذي اجتمع في إسلام آباد لمناقشة تعليم المرأة في أفغانستان، فإنهم لم يعيروا اهتمامًا كافيًا لما يحدث في غزة، فنساء غزة يعانين من إبادة جماعية واعتداءات لا تتوقف، في حين أن العالم يبدو غير مبالٍ بمأساة هؤلاء النساء، هذا التناقض لا يعكس إلا ازدواجية المعايير التي يتحلى بها الكثيرون في تعاملهم مع القضايا الإنسانية، فبينما يتم استعراض مبادرات تعليم النساء في أماكن معينة، يتم تجاهل القضايا الأكثر إلحاحًا التي تمس النساء في أماكن أخرى يعشن فيها في مواقف يعجز عنها الوصف.

تبقى قضية تعليم وعمل النساء في ‎سوريا وأفغانستان موضوع نقاش حاد للمشاركين في هذا المؤتمر وأمثاله بينما يتجاهل مشاركوه حال النساء في غزة ومناطق أخرى من العالم الإسلامي.

في هذا المؤتمر تجمّع أولئك الذين جلسوا صامتين أمام المجازر التي تحدث في غزة، حيث تقتل النساء والأطفال والكبار بوحشية، وتدمر بيوت المسلمين ومساجدهم ومدنهم.

لا أحد منهم يتحدث عن اغتصاب شرف النساء المسلمات هناك، ولا عن استشهاد النساء المسلمات بطريقة وحشية، ولا عن دفن أطفال النساء المسلمات وعائلاتهن تحت الأنقاض.

كما أنهم ظلوا صامتين على مدار العشرين عامًا الماضية أمام كل الوحشية والظلم الذي مارسته القوى الغربية، حيث كانت النساء المسلمات في أفغانستان يُستشهدن كل ليلة، ويُصَبْنَ، ويُعَذَّبْنَ، ويفقدن أزواجهن وأبناءهن، ومع ذلك، لم ينبس أحدهم بكلمة، بل على العكس، قدّموا أراضيهم ومواردهم وقواعدهم العسكرية لأعداء الإسلام لمحاربة مسلمي أفغانستان ومجاهديهم.

لماذا يتجنب بعض الأطراف الدولية الإشارة إلى القيم الإنسانية الحقيقية عندما يتعلق الأمر بالانتهاكات التي يتعرض لها نساء المسلمين على أيدي الصهاينة وغيرهم، إن ما يحدث في عالمنا من تجاهل لحقوق النساء في أماكن معينة يعكس انفصامًا حقيقيًا في القيم والمواقف الدولية، ويُظهر الحاجة الماسة إلى اتخاذ مواقف أكثر عدلاً وواقعية في معالجة قضايا حقوق الإنسان.

قد يكون مؤتمر إسلام آباد بمثابة رمز لهذه الازدواجية التي تعكس التناقضات الواضحة في السياسات الدولية التي تُظهر اهتمامًا فقط بالقضايا التي تتناسب مع مصالحها، بينما تغفل أو تتجاهل تلك القضايا التي تتطلب التدخل الفوري والجاد.