الإمارة الإسلامية؛ تعزيز العلاقات مع العالم دون التفريط في المبادئ والثوابت

‏ تعيش أفغانستان اليوم مرحلة جديدة من التحولات الكبرى، بعد عقود من النزاعات والحروب الداخلية والخارجية التي مرّت بها، في ظل هذه التغيرات، واصلت الإمارة الإسلامية في أفغانستان خطاها في إطار مواقف واضحة لتعزيز سياستها الخارجية التي ترتكز على مبدأ “لا ضرر ولا ضرار”. وهذا المبدأ يعكس التوجه نحو إقامة علاقات دولية تستند إلى الاحترام […]

تعيش أفغانستان اليوم مرحلة جديدة من التحولات الكبرى، بعد عقود من النزاعات والحروب الداخلية والخارجية التي مرّت بها، في ظل هذه التغيرات، واصلت الإمارة الإسلامية في أفغانستان خطاها في إطار مواقف واضحة لتعزيز سياستها الخارجية التي ترتكز على مبدأ “لا ضرر ولا ضرار”.

وهذا المبدأ يعكس التوجه نحو إقامة علاقات دولية تستند إلى الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الآخرين، مع الحرص على عدم الإضرار بأي طرف سواء على المستوى المحلي أو الدولي.

 

ولا يمكن مقارنة علاقات أفغانستان الحالية مع سابقتها؛ لأن المصالح الأمريكية والغربية كانت فوق كل الاعتبارات في مجال العلاقات الأفغانية مع العالم الخارجي خلال عشرين عاما من الاحتلال الأمريكي وتم استخدام اسم أفغانستان كأداة لتمرير مصالح القوى المحتلة في هذا الجانب لذلك كانت العلاقات الخارجية لأفغانستان على المحك ولم تحقق لأفغانستان المطلوب منها خلال هذه الفترة.

 

ولا شك أن إيجاد عوائق وعراقيل أمام العلاقات الخارجية لأفغانستان يعد اعتداء على سيادتها وتدخلا سافرا في شؤونها الداخلية لكن الحكومة الأفغانية سعت جاهدة لترميم المنافذ السياسية والدبلوماسية وبذلت وزارتها الخارجية كل الجهود لتطبيع العلاقات مع العالم الخارجي، والحصار المفروض لم يضعف عزيمة ‎أفغانستان رغم قوة هذا الحصار مترامي الأطراف والمضايقات السياسية والأمنية ضد الدولة الوليدة في أفغانستان لقطع أواصر تعاونها وأطر علاقاتها مع الجوار والمنطقة والعالم.

 

ورغم محاولات أمريكا المتكررة بدفع أفغانستان إلى الحاشية وإبقائها منزوية تماما عن العالم الخارجي إلا أن العلاقات الخارجية للإمارة الإسلامية اتخذت اتجاها مخالفا للهوى الأمريكي ولعل التبادل الدبلوماسي بين أفغانستان والصين ورسيا و ‎الإمارات العربية المتحدة و ‎المملكة العربية_السعودية ودول مؤثرة أخرى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين أفغانستان والمنطقة ويُعد أهم جزء ضمن المسار السياسي الذي تسلكه الحكومة الأفغانية الجديدة على الصعيد الدبلوماسي.

 

وتُعد سياسة “لا ضرر ولا ضرار” التي تتبعها الإمارة الإسلامية في علاقاتها الخارجية بمثابة الأساس الذي يوجه تحركاتها الدبلوماسية، فالإمارة تسعى إلى بناء علاقات تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، مع التأكيد على أنها لا تنوي الإضرار بأي دولة أو شعب آخر، بل تعمل على تعزيز الأمن والاستقرار داخل أفغانستان أولًا، وفي المنطقة بشكل عام، وهذا المبدأ يؤكد التزام الحكومة الأفغانية الحالية بعدم اتخاذ أي إجراءات تؤثر سلبًا على دول الجوار أو المجتمع الدولي، وهو ما يعكس رغبتها في التعايش السلمي والتعاون مع كافة الدول دون التفريط في حقوق شعبها ومبادئ دينها وعقيدتها.

 

ورغم التحديات التاريخية التي مرّت بها أفغانستان نتيجة تدخلات قوى كبرى مثل ‎الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في شؤونها، إلا أن الإمارة الإسلامية أبدت رغبتها في تعزيز العلاقات مع هذين البلدين، وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة وروسيا كانتا قد غزتا أفغانستان في فترات سابقة، مما ترك بصمات عميقة في التاريخ الأفغاني، إلا أن الإمارة الإسلامية تؤكد من خلال هذه المواقف أنها تتطلع إلى تجاوز الماضي والتركيز على بناء مستقبل مستقر لأفغانستان لتحقيق مصالح الشعب الأفغاني وبناء مستقبله بعيدا عن الحروب والصراعات.

 

إن هذه الرغبة في إقامة علاقات مع الولايات المتحدة وروسيا، بالرغم من الصراعات السابقة، تشير إلى رغبة الإمارة الإسلامية في التعاون مع القوى الدولية في إطار من الشريعة الإسلامية، بما يضمن الحفاظ على مصالح الشعب الأفغاني دون التفريط في مبادئها، ويتجلى ذلك في موقف الإمارة الإسلامية الواضح بشأن تطبيق الشريعة الإسلامية وعدم الرضوخ لمطالب القوى الدولة في هذا الإطار.

 

وتتمثل الأولوية الرئيسية للإمارة الإسلامية في الحفاظ على مصالح الشعب الأفغاني وتعزيز استقراره وتسعى الحكومة الحالية في أفغانستان إلى إقامة علاقات مع الدول المختلفة بما يتماشى مع هذه الأولوية، وإن هذه العلاقات لا تعني بأي حال من الأحوال التنازل عن قضايا المسلمين أو التأثير سلبًا على مصالحهم، بل، تُظهر الإمارة الإسلامية التزامًا قويًا بقضايا الأمة الإسلامية، وتحاول أن تكون في موقع يؤهلها للدفاع عنها.

وقد تتعامل الإمارة الإسلامية في بعض الأحيان مع دول منخرطة في صراعات وحروب في مناطق أخرى من العالم، ولكن ذلك لا يعني أنها تؤيد أو تتبنى سياسات تلك الدول، وإنما تهدف هذه العلاقات إلى تيسير حل قضايا الأفغان المقيمين في تلك الدول بالإضافة إلى قضايا الاستثمار والاقتصاد والتجارة دون المساومة على المبادئ الإسلامية.

 

ورغم أن الإمارة الإسلامية قد تتعامل مع دول ومنظمات تختلف في مواقفها السياسية، إلا أن مواقفها تجاه القضايا الإسلامية الكبرى تبقى ثابتة وواضحة إذ أنها تؤكد التزامها الكامل بقضايا الأمة الإسلامية والوقوف إلى جانب الشعوب المسلمة، وتُعلن مرارًا أن أي علاقة مع دول أخرى لن تكون على حساب القضايا الأساسية التي تخص المسلمين، مثل قضايا فلسطين، و ‎#سوريا ، والمواقف من الاستعمار والظلم الدولي.

 

إن هذه الثوابت تؤكد أن الإمارة الإسلامية تسعى لتحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على مصالح أفغانستان وبين علاقات حسنة مع العالم الخارجي بما يضمن مصالح الشعب الأفغاني ولا يتنافى مع القيم الإسلامية ومصالح الأمة.

 

تتطلع الإمارة الإسلامية إلى بناء مستقبل مستدام في أفغانستان قائم على الشريعة الإسلامية، بعيدًا عن التأثيرات السلبية والتدخلات الأجنبية التي تعيق التنمية والاستقرار، فهي تسعى لبناء علاقات خارجية متوازنة تتوافق مع قيم الشريعة وتعمل على خدمة الشعب الأفغاني في المقام الأول، وهذه الرؤية المستقبلية تقوم على فهم عميق للمصالح الوطنية ووضع الأمة الإسلامية ككل، مع الحفاظ على استقلالية القرار الأفغاني في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية.

 

ولا شك أن سياسة الإمارة الإسلامية في أفغانستان تُظهر بوضوح رغبتها في إقامة علاقات خارجية مسؤولة ومتوازنة، تقوم على مبدأ “لا ضرر ولا ضرار” مع الحرص على تحقيق مصالح الشعب الأفغاني، وتستند هذه السياسة إلى قيم الشريعة الإسلامية، التي تحث على التعاون مع الآخرين بما يعود بالنفع دون التفريط في المبادئ والثوابت أو التنازل عن حقوق الأمة الإسلامية، وفي الوقت ذاته، تؤكد الإمارة الإسلامية على أهمية بناء علاقات مع القوى الدولية الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، لتأمين مستقبل أفضل لأفغانستان دون العودة إلى ماضي الصراعات.