‏الإمارة الإسلامية وخطوات ناجحة في مسار السياسة الدولية

الإمارة الإسلامية اليوم تعرض على العالم وجهاً جديداً لأفغانستان؛ وجهاً خرج من رحم الجهاد والتضحية والاستقلال، لكنه ينشد العقلانية والتطور والتفاعل الدولي، وهذا التحول يمكن أن يصنع لأجيال المستقبل في أفغانستان فرصاً حقيقية للنهوض، لأن خلف هذا الوجه الجديد تقف دماء الشهداء، وآلام الشعب، ودعوات أمةٍ صبرت طويلاً.

 

السياسة ميدان معقّد، لا ينجح فيه إلا من امتلك الحنكة والمهارة، ومن استطاع أن يتعامل بوعي مع خصومه ومحيطه، وعندما ينهض شعب من رماد الاحتلال، والأزمات، والهيمنة السياسية، لا تتوقع منه القوى الدولية تحقيق المعجزات في وقت قصير، ولا تبني سريعاً ثقتها تجاهه، وفي هذه اللحظة تحديداً، تتجلى أهمية الحكم الرشيد الذي يرسي أسس سياسة ناجحة، واليوم، تقدّم الإمارة الإسلامية نموذجها السياسي الجديد إلى عالمٍ لا يزال يتعامل معها بريبة وترقب انتظار.

 

السياسيون الأفغان اختاروا أن يزنوا العلاقات الدولية بميزان التوازن والكرامة، مدركين أن الانحياز المفرط لأي طرف يجعل كفّة العلاقة خالية وخاسرة، والسياسة الذكية هي التي تستثمر جميع الزوايا الممكنة لتحقيق توازن جيوسياسي واقتصادي، بدل أن تحصر البلاد في فلك طرف واحد.

 

‎أفغانستان، التي أمسكت بزمام مصيرها بعد عقود من الحرب والاضطرابات، تسعى إلى بناء علاقات متوازنة مع جميع القوى، وتريد إقامة روابط مع العالم الخارجي تقوم على الاحترام المتبادل والكرامة الوطنية، وعندما ينتقل بلد من موقع الاحتلال إلى الاستقلال السياسي، لا تعود التصريحات مجرّد شعارات، بل تتحول إلى أفعال ذات دلالة عميقة، وأفغانستان اليوم تمرّ بمرحلة مفصلية وحساسة تحمل ملامح الاستقرار ورؤية خارجية متوازنة.

 

وفي هذا السياق، ألقى وزير الخارجية الأفغاني، المولوي أمير خان متقي، كلمة لافتة في منتدى سيتشوان الاقتصادي الدولي بالصين ، كشفت عن ملامح سياسة خارجية كانت تتبلور بصمت خلف الكواليس لسنوات، كلمات السيد متقي عكست إرادة صلبة وسلوكاً عقلانياً في التعامل مع القوى الدولية، بعيداً عن ردود الفعل العاطفية.

 

لقد كانت هذه الكلمة تعبيراً عن وعي سياسي عميق، لا يغفل عن التوجهات الغربية، ولا يغلق الباب أمام الفرص الشرقية، ولا شك أن الإمارة الإسلامية تقدم اليوم للعالم صورة جديدة لأفغانستان؛ دولة قادرة على إدارة علاقاتها في بيئة دولية متناقضة، بسياسة خارجية متوازنة، رغم ما واجهته من عزلة وضغوط وحملات تشويه.

 

السياسة التي تنتهجها الإمارة الإسلامية اليوم تنفتح على ‎الصين باعتبارها قوة اقتصادية عظمى، وتمد اليد للهند كشريك إقليمي محتمل، وتفعّل خطوط التواصل من ‎#موسكو إلى العواصم الأوروبية، ومن ‎طهران إلى العواصم العربية، كل هذا الحراك ليس وليد مجاملات أو ضغوط، بل نابع من رؤية جديدة تجعل من الشراكة الاقتصادية والندية في التعامل، قاعدة أساسية، عوضاً عن التبعية أو الاستجداء.

 

الوعود التي قُدمت من قبل نائب رئيس مجلس تنمية التجارة الخارجية الصيني، تعبّر عن بداية مرحلة عملية، يتم فيها وصل الاقتصاد الأفغاني بمحاور التجارة العالمية، وهو تطور يمهّد الطريق نحو الاكتفاء الذاتي وبناء اقتصاد مستقل.

 

وراء هذه الجهود الدبلوماسية يكمن هدف واضح: وهو ترسيخ العلاقات على أساس الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، وإسقاط التصورات التي تفترض أن توطيد العلاقة مع طرفٍ يجب أن يكون على حساب طرفٍ آخر، والسياسة الخارجية الأفغانية الجديدة لا تعادي أحداً، لكنها ترفض الخضوع لأي جهة.

 

خلال كلمته ركّز وزير الخارجية الأفغاني على الموقع الجغرافي الاستراتيجي لأفغانستان، ومواردها الطبيعية، وقدراتها الزراعية، لتقديم البلاد كشريك اقتصادي مؤثر، وليس كدولة متلقية للمساعدات، وهي إشارة إلى تحول استراتيجي في الرؤية الاقتصادية للدولة، ورغبة حقيقية في الاندماج الإيجابي ضمن النظام الاقتصادي العالمي.

 

الرغبة في الاستفادة من التكنولوجيا الصينية، والمشاريع الزراعية والبنية التحتية، تدلّ على أن الإمارة الإسلامية تتبنى رؤية متوازنة في بناء نظام شرعي يحقّق الرفاه والتنمية، وهي سياسة تعزز ثقة المستثمرين المحليين، وتفتح الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية.

 

الإمارة الإسلامية اليوم تعرض على العالم وجهاً جديداً لأفغانستان؛ وجهاً خرج من رحم الجهاد والتضحية والاستقلال، لكنه ينشد العقلانية والتطور والتفاعل الدولي، وهذا التحول يمكن أن يصنع لأجيال المستقبل في أفغانستان فرصاً حقيقية للنهوض، لأن خلف هذا الوجه الجديد تقف دماء الشهداء، وآلام الشعب، ودعوات أمةٍ صبرت طويلاً.