الاستقلال السيادي لأفغانستان في الذكرى الثالثة لتحريرها

هنيئا للإمارة الإسلامية في أفغانستان بتحرير البلاد من رجس الاحتلال، وبثباتها على دينها، ورفضها المساومة على مبادئها.

 

 

كان شهر أغسطس سنة 2021 الشهر الأكثر إثارة، وتسارعا للأحداث، ودراماتيكية في الوقائع في أفغانستان!!

لقد مثلت نهايتُه نهايةً لأطول حرب خارجية أمريكية وهي الغزو الأمريكي لأفغانستان (حرب حارس الحرية!!) التي استمرت من 2001- 2021.

وانتهت معها، بل قبلها، أكبر عمليات وتدخلات حلف شمال الأطلسي خارج أوروبا وهي عملية (الدعم الحازم) التي شكلت أهم قوة عسكرية شاركت في غزو أفغانستان بعد قوة الولايات المتحدة الأمريكية.

وانتهت بذلك كله أكبر عملية احتلال لأفغانستان شاركت فيها حوالي خمسين دولة من قارات الدنيا كلها، تتقدمها دول الكفر العالمي، وأحلافه العسكرية، ومنظماته المختلفة.

وبالمناسبة، فشهر أغسطس هو شهر هزيمة الإمبراطورية البريطانية على يد الأفغان سنة 1919، بعد هزيميتين ساحقتين سنتي 1841، 1880.

ولن نتحدث هنا عن مشاركة بعض الدول العربية والإسلامية في هذه الجريمة النكراء، والفعلة الشنعاء التي تأباها شرائع الإسلام، ومروءات الجاهلية!!

لن نتحدث عن تلك المشاهد المثيرة التي وثقت بها الكاميرات ما أصاب القوات الأمريكية وحلفاءها، من الهلع، والفزع، والارتباك، والاضطراب، والتدافع، والترافع بحثا عن أي مخرج من أفغانستان في تلك اللحظات المرعبة، حتى ولو كان ذلك المخرج تعلقا بجناح طائرة مغادرة، أو تمسكا بإطار من إطاراتها!!

وإن كان في ذلك عظة.. أي عظة!!

إن مشاهد بعض الهاربين يومها تفرمهم عجلات الطائرات على المدرجات بعد أن اختبأوا بينها أملا في مغادرة أفغانستان، ومناظر لآخرين يتساقطون من أجنحة طائرات أخرى تعلقوا بها بحثا عن أي وسيلة للخروج، مشاهد ومناظر مؤلمة حقا، وإن كانت ممتعة لبعض الذين أذاقهم الاحتلال الأمريكي وحلفاؤه صنوف العذاب على مدى عشرين سنة!!

ولن نتحدث عما تؤكده تلك التجربة العظيمة.. تجربة طرد الغزاة والمحتلين من الزوال الحتمي، الذي ينتظر الاحتلال وحلفاءه في كل بلد مسلم.

كما لن نتحدث عن كثير من الإنجازات الكبرى التي حققتها الإمارة الإسلامية في مجالات كبرى، كالأمن الذي استتب في البلاد، حيث توحّدت أفغانستان لأول مرة منذ أربعين سنة تحت حكم سلطة واحدة، بعد أن كانت البلاد تخضع لسلطة قطاع الطرق والمحاربين وعصابات الجريمة المنظمة.

ولا عن الاقتصاد، وما تم من خفض أسعار السلع، ورفع قيمة العملة المحلية، وتوفير العملات الصعبة، والنجاحات الباهرة في مجالات التجارة، والزراعة، والصناعة، واستخراج الثروات المعدنية، وهي مجالات شهدت نهضة غير مسبوقة خلال هذه السنوات الثلاث، حيث بدأت استثماراتٌ ضخمة، وجهود عملاقة في هذه القطاعات.

ولا عن البنى التحتية، والإنجازات الكبرى في تعبيد الطرق، وبناء السدود، واستصلاح الأراضي.

ولا عن غير ذلك من برامج الصحة، والرعاية الاجتماعية، والتكفل بكل علاج، ومصاريف ونفقات المدمنين، ومحاربة المخدرات….، ولا عن غيرها من الإنجازات الكبرى التي قامت بها حكومة الإمارة الإسلامية، فرأى العالم أثرها الإيجابي في حياة الناس، وواقع البلاد والعباد.

لن نتحدث عن شيء من ذلك لأنه مع أهمية كل ذلك، فإن الجانب الذي سننتحدث عنه أهم منه، ولولا الله، ثم هو ما كان لكثير من تلك الإنجازات أن يتحقق.

عن ماذا سنتحدث إذن؟

سوف نتحدث عن جانب واحد من إنجازات الإمارة الإسلامية خلال هذه السنوات الثلاث، وهو إقامة الدين، بتحكيم الشرع، وتحقيق الاستقلال السياسي والسيادي.

توقع كثيرون فشل حكومة الإمارة الإسلامية في أول امتحان لها في السلطة، بعد خروج الأمريكان ودول التحالف.

وقد استندوا في توقّعهم ذلك إلى أمورمنها:

– أن حركة طالبان حركة عسكرية مسلحة، ليست لها تجربة في إدارة الدولة، ولا خبرة في تصريف أمور الحكم.

– كما أن حالة الدمار، والوضع المتهالك في أفغانستان غداة خروج الغزاة منها، أمور كفيلة بفشل أي سلطة تحاول إصلاح الأمور مهما امتلكت من الوسائل، وأعدت من الأسباب.

– يضاف إلى ذلك ما يقوم به الأعداء من مساعٍ لزعزعة الأمن في الداخل، وإحكام الحصار الاقتصادي والسياسي من الخارج.

ولكن، وكما فاجأت طالبان العالم بهزيمتها لأكبر قوى الأرض العسكرية، والاقتصادية، والسياسية، والإعلامية في أفغانستان؛ فاجأته أيضا بنجاح تجربتها في الحكم على مستويات متعددة، أهمها تحقيق مشروعها الإسلامي القائم على تحكيم الشرع، والاستقلال السياسي والسيادي التام.

وكان لهذا النجاح الباهر الظاهر أسباب مهمة منها:

■ وضوح الرؤية الإسلامية، وسلامة المنهج من غبش ولوثات الجاهليات المعاصرة؛ الديمقراطية، والوطنية، والعرقية، وغيرها.

■ التربية الإيمانية الخاصة لقادة وأبناء الحركة الذين هم شيوخ وطلاب المدارس الإسلامية التقليدية التي لم تتلوث بمناهج الغرب الدراسية، ومقرراته التعليمية المسمومة.

■ المرجعية المطلقة للشريعة الإسلامية وحملتها من العلماء وطلاب العلم داخل الحركة، إذ يعد عندهم العمل بالفتوى الشرعية عبادة يؤجر عليها الفرد عند الله تعالى، وليست مجرد تعبير عن الانضباط التنظيمي في الحركة.

■ أن خروج الغزاة الأمريكيين، وحلفاءهم، جاء ثمرة جهاد مسلح لا غبار عليه، استمر عشرين سنة، وتُوّج بتوقيع الغزاة على وثيقة خروجهم النهائي من البلاد، دون أن يكون لهم الحق في التدخل في شؤون البلاد، وطريقة أو طبيعة حكمها.

وهذا ما قطع الطريق أمام أي محاولة للاحتفاظ بوجود ما، أو تأثير ما، من نوع ما داخل البلاد، كما هو حاصل مع كثير من الدول التي تدار من قبل سفارات، وقواعد عسكرية غربية فيها!!

■ أن هذا الجهاد المسلح، والفتح المظفر، لم يكن لأي دولة من الدول أو جهة من الجهات فضل فيه، فقد كان بعد فضل الله تعالى جهدا طالبانياَ محضاَ، على خلاف انتصار المجاهدين الأفغان على الاتحاد السوفيتي السابق الذي ساهمت فيه بعض الدول والجهات، فأفسدت ثماره بتدخلاتها في الشأن الأفغاني من خلال حلفائها المحليين.

■ مع أن الحركة أصدرت عفواً عاماً عن جميع من حمل السلاح ضدها، وقاتل مع المحتلين، ودعتهم للرجوع إلى البلاد، إلا أنها في الوقت نفسه رفضت، وبكل وضوح وشجاعة أية إملاءات محلية، أو إقليمية، أو دولية، يحاول الأعداء من خلالها فرض طريقة للحكم، أو إيجاد فرص للتأثير في حكومة الإمارة الإسلامية والوضع الداخلي في البلاد؛ فرفضت النظام الديمقراطي الغربي، وامتنعت عن المحاصصة المذهبية للسلطة، ولم تقبل التقاسم العرقي للحكم…إلخ، فحافظت بذلك على وحدتها، وتماسكها، وقدرتها على مقاومة الضغوط.

هذه العوامل والأسباب وغيرها، هي التي هيّأت نظام حكم الإمارة الإسلامية في أفغانستان للوقوف بكل قوة، وعزة، وإباء، في وجه الحملات الغربية الشعواء التي ثارت عليها بسبب إصرارها على تحكيم الشريعة الإسلامية، وإقامة حدودها.

وأصرت الإمارة على موقفها الثابت المتمثل في وجوب إقامة الدين وتحكيم الشرع في البلاد، وضبط تعليم وعمل المرأة، وشؤون الأسرة، وحقوق الإنسان بأحكام الشريعة الإسلامية.

كما رفضت الإمارة الاستجابة للضغوط الاقتصادية والسياسية الإقليمية والدولية لتغيير نهجها، ومبادئها، رغم تجميد أموال أفغانستان في البنوك الأمريكية والدولية، ومنعها من حقوقها التجارية والاقتصادية.

وكان من آخر ما قامت به الإمارة الإسلامية في هذه المواجهة؛ منعُ مقرر الأمم المتحدة الخاص بأفغانستان من دخول البلاد، بعد التأكد من قيادته لحملة تشويه مضللة ضد الإمارة الإسلامية.

لقد أدرك قادة الإمارة الإسلامية -بسلامة فطرتهم وصفاء عقيدتهم- حقيقة جليّة ضل عنها مفكّرون (كبار)، ومنظّرون (عظماء).

 

لقد قالها أمير الإمارة الإسلامية في أفغانستان مولوي هبة الله أخند زاده: “إن حرب الكفار معنا لم تكن من أجل أرضنا ومالنا أصلاً، بل كانت حربهم على عقيدتنا، وديننا، وما زالت”.

وبناء على هذه المسلَّمة العقدية، قال -حفظه الله- كلمته الواضحة، وأرسل رسالته الجلية للغرب والعالم:

“العلماء هم من دفنوا الديمقراطية هنا في أفغانستان، وأغرقوا سفينة الغرب”.

“ونقول للغرب إننا حاربناكم عشرين سنة في أفغانستان، ومستعدون للقتال ضدكم عشرين سنة أخرى، وهذه المعركة لم تنتهِ بفتح البلاد، واستلام مقاليد الحكم، بل إننا سنقيم شرع الله، وننفذ حدوده التي تخالف قوانينكم، وسنواصل إنقاذ البشرية، ونقول لهم: ألا إن حزب الله هم الغالبون”.

هنيئا للإمارة الإسلامية في أفغانستان بتحرير البلاد من رجس الاحتلال، وبثباتها على دينها، ورفضها المساومة على مبادئها.

وهنيئا للأمة الإسلامية بالدولة الإسلامية الوحيدة التي تحكِّم شرع الله على أرض الله.

وعقبى تطهير وتحرير للأقصى وكل فلسطين، وسائر المحتل من بلاد المسلمين.