الحرب التجارية والاقتصادية العالمية وتأثيرها على أفغانستان

‏ ‎ شهد العالم خلال الآونة الأخيرة تحولاً جذريا جديداً في طبيعة التنافس بين القوى الاقتصادية الكبرى، حيث باتت الحروب التجارية والتكنولوجية والاستثمارية تحل محل الصراعات العسكرية التقليدية. في هذه المواجهات الجديدة، أصبحت التجارة، والتكنولوجيا، والاستثمارات أدوات فعالة بيد القوى العظمى. والتنافس الحاصل بين الولايات المتحدة، والصين، وأوروبا يعكس من جهة تغيّراً في شكل النظام […]

شهد العالم خلال الآونة الأخيرة تحولاً جذريا جديداً في طبيعة التنافس بين القوى الاقتصادية الكبرى، حيث باتت الحروب التجارية والتكنولوجية والاستثمارية تحل محل الصراعات العسكرية التقليدية.

في هذه المواجهات الجديدة، أصبحت التجارة، والتكنولوجيا، والاستثمارات أدوات فعالة بيد القوى العظمى. والتنافس الحاصل بين الولايات المتحدة، والصين، وأوروبا يعكس من جهة تغيّراً في شكل النظام العالمي، ومن جهة أخرى يُلقي بظلاله العميقة على مصير الدول الضعيفة، وهو يمثل في الوقت نفسه فرصة وتحدياً أمام الدول التي لا تزال في بدايات مسيرتها التنموية.

 

تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على هيمنتها على النظام المالي العالمي، مستندة إلى قوة الدولار كعملة مهيمنة تسعى من خلالها لإبقاء الأسواق العالمية تحت سيطرتها. وفي المقابل، تطمح ‎الصين من خلال مبادرة “الحزام والطريق” -والتي تعرف أيضا باسم طريق الحرير الجديد أو طريق الحرير للقرن الـ21- وتقوم على ضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية، لربط أكثر من 70 دولة، وكان قد أطلقها الرئيس الصيني عام 2013، وتهدف إلى إنشاء حزام بري من سكك الحديد والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحري يسمح للصين بالوصول إلى أفريقيا وأوروبا، بكلفة إجمالية تبلغ تريليون دولار- إلى تعزيز نفوذها عبر بناء شراكات استراتيجية مع دول آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، بهدف توسيع حضورها في الأسواق العالمية. أما أوروبا، فهي تحاول الحفاظ على استقلاليتها وهويتها بين القوتين، إلا أنها لا تزال واقعة إلى حد كبير تحت تأثير الولايات المتحدة.

 

هذا الصراع بين الكتل الاقتصادية الثلاث الكبرى تجاوز حدود الأسواق ليطال مجالات الاستثمار، والبنية التحتية، والتكنولوجيا، وحتى النفوذ السياسي. فالحرب الاقتصادية العالمية لا تقتصر على الموارد والاستثمارات والقوة الصناعية فحسب، بل تشمل أيضاً صراعاً على النفوذ السياسي، والهيمنة الثقافية، والانفتاح اللغوي.

 

ويبدو أن هذه “الحرب الباردة الاقتصادية” لن تنتهي في المدى القريب. وفي هذا السباق الطويل الأمد، سيكون الفوز من نصيب من يتمكن من كسب ثقة الشعوب، وضمان الاستقرار، وتحويل الأقوال إلى أفعال.

 

وفي هذا الإطار، تسعى الصين للسيطرة على العصب الاقتصادي للعالم من خلال طريق الحرير الجديد، بينما تحلم أوروبا باستعادة تماسك قوتها المتشتتة بينما أفغانستان، ورغم تواضع اقتصادها، فهي بحكم موقعها الجيوسياسي الاستراتيجي تمتلك أهمية خاصة كممر يربط الشرق بالغرب. وإذا أُحسن استثمار هذا الدور، فقد تتحول أفغانستان من ساحة تنافس إلى منصة فرص. لكن في حال فشلها في الحفاظ على الحياد بين القوى الكبرى، فقد تصبح ضحية لضغوط اقتصادية متزايدة، خصوصاً وأنها تقع في قلب آسيا وتُعد موضع اهتمام إقليمي ودولي بالغ الأهمية.

 

ومن هذا المنطلق، يسعى كل طرف دولي إلى إدراج أفغانستان ضمن أجندته الاستراتيجية، وهنا تبرز أهمية موقف الإمارة الإسلامية الحاكم في البلاد.

 

فقد تبنّت الإمارة الإسلامية سياسة تهدف إلى تحقيق الاستقرار الداخلي، والنهوض الاقتصادي، والحفاظ على الاستقلال السياسي، وهي تسعى من جهة إلى طمأنة العالم بأن ‎أفغانستان بيئة آمنة للاستثمار، ومن جهة أخرى إلى ترسيخ اقتصاد مستقل يستند إلى المبادئ الإسلامية.

 

وفي هذا السياق، قامت الإمارة بتوسيع علاقاتها مع دول مثل الصين، و ‎روسيا، و ‎إيران، و ‎تركيا، وغيرها من الدول، في محاولة لاعتماد سياسة توازن تُمكنها من المناورة وسط الضغوط الدولية والتنافس الاقتصادي المحتدم، وبينما تسعى الولايات المتحدة إلى البقاء ضمن المشهد الاقتصادي الأفغاني، تحاول الصين التوغل عبر الاستثمار في الموارد الطبيعية وخطوط الترانزيت(العبور). أما أوروبا، فتركز على التأثير من خلال المساعدات الإنسانية والمشاريع الإنمائية. لكن الإمارة الإسلامية التي تقود الحكومة الحاكمة في أفغانستان تبنت نهجاً معتدلاً، تدريجياً وشاملاً، يرفض الخضوع للغرب أو الشرق، ويقوم على مبدأ التعامل مع الجميع ضمن إطار القيم الإسلامية والمصالح الوطنية.

 

ومن خلال تطوير البنية التحتية الاقتصادية، وفتح الطرق الترانزيتية، واستقطاب المستثمرين، وتأهيل الكوادر الفنية، تُظهر الإمارة نيتها تحويل أفغانستان من دولة تعتمد على المساعدات إلى ممر اقتصادي إقليمي فاعل ومؤثر وبناء. وهذا التوجه لا ينعكس فقط إيجاباً على حياة الشعب الأفغاني، بل يرسل أيضاً رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي مفادها أن أفغانستان الجديدة هي دولة مستقلة ذات سيادة، وإسلامية دينا ونظاما وحكما، ومتفتحة على التعاون.

 

وعلى هذا فإن الدول التي تتمتع بالاستقرار الداخلي، والرؤية الواضحة، والدعم الشعبي هي الأكثر قدرة على اغتنام الفرص وسط هذا التنافس الدولي، وتملك الإمارة الإسلامية هذه المقومات الثلاث، ما يمنحها فرصة حقيقية لتحويل الصراع الاقتصادي العالمي إلى نقطة انطلاق نحو مستقبل أكثر استقلالية وازدهاراً لأفغانستان وشعبها بإذن الله عز وجل.