السجون الأفغانية؛ مراكز للإصلاح والتغيير الإيجابي

بقلم: زين الدين البلوشي   لعل عنوان المقال يثير إعجاب القارئ ويذهب به إلى مذاهب مختلفة، لا سيما وأن أفغانستان -منذ نصف قرن على الأقل- امتلأت بالسجون المخيفة والمحابس المرعبة، وعانى الأبرياء فيها التعذيب والتنكيل، وشهدت احتلالين في هذه المدة، وقطعاً لا يمكن لاحتلال أن يكون دون سجن واعتقال وتعذيب، ولكن كما أؤيد ما يدور […]

بقلم: زين الدين البلوشي

 

لعل عنوان المقال يثير إعجاب القارئ ويذهب به إلى مذاهب مختلفة، لا سيما وأن أفغانستان -منذ نصف قرن على الأقل- امتلأت بالسجون المخيفة والمحابس المرعبة، وعانى الأبرياء فيها التعذيب والتنكيل، وشهدت احتلالين في هذه المدة، وقطعاً لا يمكن لاحتلال أن يكون دون سجن واعتقال وتعذيب، ولكن كما أؤيد ما يدور في ذهن القارئ ويشغل باله، أؤكد بأن عنوان المقال جاء حقيقة وواقعاً لما تعيشه أفغانستان اليوم.

 

نعم كل ما يأتي في ذهن القارئ حق، ولكن العنوان يتحدث لنا عن أفغانستان الجديدة الحرة التي لم يبقَ فيها أثر للاحتلال والخيانة ولا للسجون التي تسوء سمعتها آذان الناس، وتؤذي مشاعرهم؛ ويتحدث عن أفغانستان التي تغيرت وتحولت، وبالتالي تغير فيها كل شيء من الأدنى إلى الأعلى، ومن التغيرات التي تحققت على أراضيها، هي سجونها ومعتقلاتها ومحابسها والتي كانت تمتلئ بالظلم والجور في السنوات الأربعين الماضية تحت ظل الاحتلال وسيطرة الفوضى والفساد.

 

كانت أفغانستان فيما مضى مركزًا للسجون والمعتقلات، وقبل سنوات، وتحديداً زمن الجمهورية، كانت تُعرف بسجنوها المخيفة المرعبة، التي من يدخلها يدخل جهنم في الدنيا، ويديرها الأمريكان وعملاؤهم المحليون، فكم من السجناء عُذبوا فيها عذاباً شديداً، واضطُهدوا ونُكّل بهم تنكيلا. وكانت سجونها مثل: بولي تشرخي وباغرام وسجون أخرى تؤثر على المعنويات، وحتى أسماء هذه السجون تخيف الإنسان وتكدّر عليه الحياة وتقتل فيه الأمل والانتعاش، كما كانت هناك سجون شخصية لا تعد ولا تحصى في أنحاء البلاد في مراكز قوة بعض الأشخاص المُتنفّذين والتي لا نعلم شيئًا دقيقًا عنها ولا عن من اعتقلوا وعذبوا فيها، حيث أنه بعد سيطرة الإمارة الإسلامية على منطقة سبين بولدك في ولاية قندهار -قبل تحرير البلاد-، تم اكتشاف سجون شخصية للجنرال “رزاق” وانتشرت أخبارها آنذاك، وتم إطلاق سراح الأشخاص الذين أمضوا سنوات هناك، دون أن يعلم أحد بموتهم أو حياتهم.

 

فالسجون والمحابس موجودة في أفغانستان بشكل مبانيها العالية، لكنها تحولت إلى أماكن لتربية السجناء وتحويلهم إلى عناصر مفيدة صالحة للمجتمع، بعيدة عن الظلم والتعذيب. وبعد خروج المحتل، ركزت الإمارة الإسلامية في ‎أفغانستان جهودها على تعزيز التعليم الديني داخل هذه السجون، حيث تم تخريج آلاف السجناء، ويواصل عدد كبير من السجناء تلقي التعليم الديني والمهارات المعيشية فيها.

 

هذه الخطوات تعكس التزام الإمارة بتحويل السجناء إلى أفراد ملتزمين وفاعلين في المجتمع، مستندةً إلى القيم الإسلامية في الإصلاح والتغيير الإيجابي، كما تعكس التزام الإمارة الإسلامية باحترام إنسانية السجين، فلا محل للتعذيب أو الإيذاء. وهناك حلقات علمية يومية تقام بإشراف علماء ودكاترة لتدريس السيرة النبوية وحفظ القرآن الكريم، وورش عمل لتعليم المهارات المهنية مثل إصلاح الدراجات وغيرها؛ لتساعدهم في كسب قوت يومهم.

 

وبهذا أصبحت السجون الأفغانية نموذجًا لمراكز التربية والإصلاح.

 

إن موضوع تحويل الإمارة الإسلامية السجون إلى مراكز تربوية وإصلاحية، أمر يتجاهله الكثيرون ممن اعتادوا تكبير النواقص واستصغار المنجزات الكبيرة والهامة. فعلى منظمة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي النظر إلى مثل هذه التغييرات الإيجابية والرائعة، حيث أنها من التغييرات الجذرية والحقوقية في أفغانستان، وهي من حقوق الإنسان التي لطالما ديست خلال حكم الجمهورية.

 

ومما لابد من الإشارة إليه هنا هو أن أفغانستان من الدول التي تخلو من أحكام الإعدام إلا ما صرحت به الشريعة الغراء وأكدت عليه، فهي دولة تتحمل من يخالفها في السياسة ولا تعدم مخالفيها ولا من ارتكب جرائم غير القتل والزنا والردة، كما يحصل بشكل مخيف وعلى نطاق واسع في بعض الدول التي تدّعي حماية حقوق الإنسان، وكذلك السجن لسنوات طويلة دون محاكمات مما قد يتسبب في مشكلات عديدة في الأسر والمجتمع.

 

على كل حال، فإن الإمارة الإسلامية تجتهد وتسعى لتطهير أفغانستان من كل ما يدنس احترام الإنسان ويضيع حقوقه، وتبذل جهدها لضمان حقوق الإنسان وعزته، ولا ترى أبداً توسيع رقعة السجون، بل تريد تحويلها إلى ساحات تدريب وقاعات إصلاح، ويُعدّ هذا من أكبر إنجازاتها في السنوات الثلاثة الأخيرة، والذي قلما تتطرق إليه وسائل الإعلام والذي لا يوجد له صدى بين الأوساط الحقوقية ولا بين المنظمات الدولية الراعية لحقوق الإنسان.