المدرسة النظامية إذ تهزم ويست بوينت

اليوم والذكرى السنوية الثالثة لتحرير أفغانستان تطرق أبوابنا، نستذكر دور هذه المدرسة العظيمة التي خرّجت المجاهدين الذين لقنوا الدروس العسكرية والأخلاقية والإيمانية للمحتلين، نستذكر علماء هذه المدارس الذين لم يبخلوا في نشر العلم والأدب والأخلاق، ولم يضنّوا بأنفسهم فجادوا بأرواحهم، يوم نادى منادي الجهاد إن كان في زمن الجهاد ضد السوفييت، أو ضد الأمريكيين، فكانت دروس وتعاليم وتعليمات هذه المدارس في الحقانية وفي دار العلوم في كراتشي ومدارس المناطق القبلية المستندة على نفس المنهج، وكذلك في كويتا وغيرها مداميك وأساسات حقيقية في هذا الانتصار، والنهوض الحضاري..

 

في مثل هذا الشهر يتذكر الأفغان على مدى أكثر من قرن هزيمة الإمبراطورية البريطانية التي جرت في آب من عام 1919، إثر هزيمتين مدويتين سبقتها في عامي 1841، 1880، وسيتذكر الأفغان الهزيمة البريطانية الرابعة في عام 2021 يوم كانت جزءاً من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في غزو أفغانستان بين 2001 -2021 على الرغم من انسحابها وتركها حلفاءها الأمريكان في منتصف الطريق، لإدراكها كلفة الاستمرارية.

 

منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم تنهزم الكلية العسكرية البريطانية ساندهيرست، والكلية العسكرية الأمريكية ويست بوينت أمام المدرسة النظامية البغدادية التي وضع أسسها رئيس الوزراء العباسي نظام الملك لمواجهة المد الشيعي والإسماعيلي للعالم الإسلامي، فكانت الحصن الحصين والوقاية الحضارية على مدى قرون. سريعاً ما انتشرت هذه المدارس النظامية ووصل أريجها إلى شبه القارة الهندية، فانتشرت مدارسها في بلدان الهند وأفغانستان وباكستان، ولعبت هذه المدارس الدور الأعظم في كل الحروب التي خاضتها المنطقة، وتحديدً أفغانستان، مما أدى إلى إلحاق الهزيمة بالمحتلين البريطانيين في أربعة حروب، وبالسوفييت في حرب واحدة، والأمريكان في حرب واحدة..

 

اليوم والذكرى السنوية الثالثة لتحرير أفغانستان تطرق أبوابنا، نستذكر دور هذه المدرسة العظيمة التي خرّجت المجاهدين الذين لقنوا الدروس العسكرية والأخلاقية والإيمانية للمحتلين، نستذكر علماء هذه المدارس الذين لم يبخلوا في نشر العلم والأدب والأخلاق، ولم يضنّوا بأنفسهم فجادوا بأرواحهم، يوم نادى منادي الجهاد إن كان في زمن الجهاد ضد السوفييت، أو ضد الأمريكيين، فكانت دروس وتعاليم وتعليمات هذه المدارس في الحقانية وفي دار العلوم في كراتشي ومدارس المناطق القبلية المستندة على نفس المنهج، وكذلك في كويتا وغيرها مداميك وأساسات حقيقية في هذا الانتصار، والنهوض الحضاري..

 

حين يُذكر انتصار المجاهدين الأفغان ضد السوفييت والأمريكيين، ومن قبلهم ضد البريطانيين فلا بد أن يُنسب ويُعزا الفضل لأهله، وأهل الفضل هنا الغائبون في قبورهم ممن أسسوا هذه المدارس وسهروا على تنشئة الجيل، فكان جيل الفتح والنصر والتحرير، تماماً كما كان جيل صلاح الدين الأيوبي الذي تخرج من المدرسة النظامية البغدادية بتوجيهات الإمام أبي حامد الغزالي جيل النصر والتمكين وتطهير الشام ومصر من دنس الفاطميين والصليبيين، كان ذلك الجيش الصلاحي هو من خريجي تلك المدارس، وقد رصد باحثون وخبراء أسماء قادة الكتل والجيوش الذين جاهدوا مع نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي، الذين درسوا ودرّسوا في المدرسة النظامية البغدادية.

 

ما فعله نظام الملك وما فعله صلاح الدين الأيوبي والغزالي، هو نفس ما سارت على نهجه المدارس النظامية في شبه القارة الهندية، وهو الأمر الذي يعزز ويؤكد من جديد ونحن في القرن الحادي والعشرين أن العصرنة والحداثة لا يمكن أن تهزم الأصالة والتراث والاعتزاز بالتاريخ المجيد وبالأسلاف العظام، إن تسلحت إيضاً هي بما تقوى عليه من إعداد ومصابرة وصبر واحتساب، ولا يزال أجر من وضع هذه الأساسات والمداميك، يجري لهم وهم في قبورهم.

 

إن كل التجهيزات العسكرية التي أعدتها أمريكا، وكل الدراسات والأبحاث التي أعدتها مراكزها وجامعاتها العريقة، لم تشفع لها، ولم تفدها ساعة قررت المغامرة في أفغانستان، وهم الذين قرؤوا وسمعوا كثيراً عن وصية رئيس الوزراء البريطاني هارولد ماكميلان (إن القاعدة الأولى في السياسة: لا تغزو أفغانستان.)، وكررت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر ذلك بطريقتها حين وصفت أفغانستان أرض غدّارة، وأخيراً كرر الرئيس الأمريكي الحالي بايدن ما قاله أسلافه من قبل إن أفغانستان مقبرة الإمبراطوريات. الأفغان أسوأ أعداء لغزاتهم، وأحسن أصدقائهم لحلفائهم.