حين ترتكب المحكمة الجنائية الدولية الجريمة وتمارس الجناية!

إن صمت المحكمة الجنائية الدولية تجاه هذه الجرائم يشير إلى تساؤلات كبيرة حول مصداقيتها، فهي غالبًا ما تلجأ إلى سياسة الكيل بمكيالين، حيث يتم تسليط الضوء على الجرائم التي ترتكبها الدول الصغيرة أو الأطراف الضعيفة، بينما تُغض الطرف عن انتهاكات القوى الكبرى، وهذه الازدواجية تجعل المحكمة في موقف لا يُحسد عليه، حيث تتحول إلى أداة سياسية تُستخدم لتوجيه التهم ضد من يعتبرهم الغرب “أعداء”، بينما يُتسامح مع الجرائم التي ترتكبها القوى التي تمتلك النفوذ والقدرة على التأثير في المؤسسات الدولية.

في خطوة مفاجئة، طالب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بإصدار مذكرتي اعتقال بحق زعيم الإمارة الإسلامية أمير المؤمنين هبة الله أخوندزادة ورئيس المحكمة العليا الأفغانية قاضي القضاة الشيخ عبد الحكيم حقاني، بتهم لا أصل لها ولا يستند الحكم إلى أي أساس قانوني.

ونددت الحكومة الأفغانية اليوم الجمعة باعتزام المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرتي اعتقال ضد زعيم الإمارة وقاضي القضاة الشيخ عبد الحكيم حقاني، وفي بيان لها، أكدت وزارة الخارجية الأفغانية أن طلب المحكمة الجنائية الدولية لا يستند إلى أساس قانوني، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تحركها دوافع سياسية وتعتمد على سياسة المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين.

وأضاف البيان أن “من المؤسف أن هذه المؤسسة تجاهلت الجرائم التي ارتكبتها القوات الأجنبية وحلفاؤها المحليون خلال احتلال أفغانستان الذي استمر 20 عامًا”.

وأكدت الوزارة أن “المحكمة الجنائية الدولية ينبغي ألا تفرض تفسيرًا موحدًا لحقوق الإنسان على جميع الدول، مع تجاهل القيم الدينية والوطنية لشعوب العالم الأخرى”.

ومنذ بداية الغزو الأمريكي لأفغانستان في عام 2001، واجه الشعب الأفغاني واحدة من أكثر الفترات دموية وقسوة في تاريخه المعاصر.

عشرون عامًا من الاحتلال العسكري والغارات الجوية التي أودت بحياة الآلاف من الأبرياء، فضلاً عن التعذيب والقتل الجماعي الذي مارسته القوات الغربية، عكست حجم المأساة الإنسانية التي لم تلقَ الاهتمام الكافي من المؤسسات الدولية، وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية التي غضت الطرف عن كل هذه الجرائم والوحشية، فأين كانت هذه المحكمة من كل تلك الجرائم المرتكبة بحق الشعب الأفغاني؟

خلال فترة الاحتلال، لم تقتصر الانتهاكات على القتل العشوائي فحسب، بل طالت كل جوانب الحياة في أفغانستان، والقنابل التي ألقتها الطائرات الأمريكية وطائرات حلف شمال الأطلسي لم تميز بين المدنيين والمسلحين، حيث استهدفت الأحياء السكنية والقرى الريفية، ودمرت المحافل والمآتم في ضربات جوية لم تراعِ معايير الإنسانية أو حقوق الإنسان، وكانت النتيجة، ملايين من الضحايا الأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ لم يكن لهم من ذنب سوى أنهم كانوا يعيشون في وطن تتقاذفه أهواء الحرب الأمريكية الغربية.

وبينما كان الشعب الأفغاني يعاني من هذه الجرائم البشعة، تظل المحكمة الجنائية الدولية التي من المفترض أن تكون درعًا لحماية حقوق الإنسان، صامتة أمام هذا الواقع، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا لم تتخذ المحكمة الجنائية الدولية أي إجراء ضد القوى الكبرى التي ارتكبت هذه الانتهاكات؟ ولماذا لم تفتح تحقيقًا حول استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا مثل “أم القنابل” في مناطق آهلة بالسكان؟ ولماذا لم ترفع صوتها حينما أقدمت قوات الاحتلال على قتل الأبرياء في مآتم العزاء أو أثناء احتفالات بسيطة يعبر فيها الشعب عن فرحه؟

إن صمت المحكمة الجنائية الدولية تجاه هذه الجرائم يشير إلى تساؤلات كبيرة حول مصداقيتها، فهي غالبًا ما تلجأ إلى سياسة الكيل بمكيالين، حيث يتم تسليط الضوء على الجرائم التي ترتكبها الدول الصغيرة أو الأطراف الضعيفة، بينما تُغض الطرف عن انتهاكات القوى الكبرى، وهذه الازدواجية تجعل المحكمة في موقف لا يُحسد عليه، حيث تتحول إلى أداة سياسية تُستخدم لتوجيه التهم ضد من يعتبرهم الغرب “أعداء”، بينما يُتسامح مع الجرائم التي ترتكبها القوى التي تمتلك النفوذ والقدرة على التأثير في المؤسسات الدولية.

إن تصرفات المحكمة الجنائية الدولية في هذا السياق لا تقتصر على كونها تقاعسًا عن تحقيق العدالة، بل هي تشكل تواطؤًا ضمنيًا مع القوى المعتدية، فكيف يمكن للمؤسسة التي يفترض بها أن تحمي حقوق الإنسان أن تساوي بين الجلاد والضحية؟ وكيف لها أن تقف مكتوفة الأيدي أمام جرائم حرب مروعة تم ارتكابها أمام أعين العالم أجمع؟

والمحكمة الجنائية الدولية، بدلًا من أن تكون صوتًا للعدالة، قد تحولت إلى مجرد أداة في يد القوى العظمى، تتجاهل القيم والمبادئ الإنسانية التي من المفترض أن تكون هي مرجعيتها الأساسية، وهي بذلك تساهم في تكريس نظام دولي غير عادل، يعتمد على الهيمنة السياسية للأمريكان ومن معهم من دول الغرب، ويعزز من معايير مزدوجة في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان.

المحكمة الجنائية الدولية بحاجة إلى إعادة تقييم دورها وآليات عملها، وتبني سياسة أكثر عدلاً وشفافية في محاسبة جميع الأطراف دون استثناء، مهما كان حجمها أو قوتها السياسية.