اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
محمد إسحاق الصالحي لقد أحدث طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، انقلابًا عظيمًا بين جماهير المسلمين، وأيقظ الأمة الإسلامية من رقادها العميق، وأشعرهم بمسؤوليتهم تجاه بيت المقدس وفلسطين المحتلة. يقول ممثل حماس بالجزائر حول أهمية طوفان الأقصى: “إن القضية الفلسطينية أصبحت مطروحة على المحافل الدولية، وأن طوفان الأقصى تمكن من كتابة موعد جديد […]
محمد إسحاق الصالحي
لقد أحدث طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، انقلابًا عظيمًا بين جماهير المسلمين، وأيقظ الأمة الإسلامية من رقادها العميق، وأشعرهم بمسؤوليتهم تجاه بيت المقدس وفلسطين المحتلة.
يقول ممثل حماس بالجزائر حول أهمية طوفان الأقصى: “إن القضية الفلسطينية أصبحت مطروحة على المحافل الدولية، وأن طوفان الأقصى تمكن من كتابة موعد جديد مع التاريخ”.
بعد هذه الحملة الحاسمة التي قام بها ثلةٌ من المجاهدين البواسل الذين حملوا أرواحهم على أكتافهم وعزموا ألاّ يعود إلا وقد مرّغوا أنوف الصهاينة المحتلين، وخضّدوا شوكتهم واستأصلوا شأفتهم. عبروا الطريق إليهم وخاضوا الحرب معهم ودحروا عددا منهم وأسروا بعضهم، وكسروا شوكة الصهاينة، وأخمدوا عنجهيتهم، وبددوا زيفهم عن “الجيش الذي لا يُقهر”. وأظهرت هذه الحملة المباغتة للعدو في عقر مأمنه، فشل المؤسسة الأمنية الصهيونية بعد الانهيار الأمني غير المتوقع، وعرّت نقاط الضعف الأساسية لدولة تسوّق نفسها على أنها الملاذ الآمن ليهود العالم؛ فكبّدتها خسائر لا تعوض؛ فاستشاط المحتل الغاشم وانتفخ سحرُه وأراد أن ينتقم من أهل غزة الصامدين فبدأ حملة الإبادة، واستمرّ القصف والهجوم الهمجي الوحشي على أهلنا في غزة أكثر من خمسة عشرَ شهرا، فخرّب البيوت، وهدّم المساجد، ودمّر المستشفيات، وعاث في أرضها فسادا كبيرا، ولم يترك شيئا لهم.
رئيس وزراء الكيان الصهيوني؛ بنيامين نتنياهو عربد وأزبد، وقال: هدفُنا من هذه الحملة أن نُبيد حماس عن بكرة أبيهم، ولن تقوم لهم بعد اليوم قائمة. أراد نتنياهو شئيا، ولكن الله أراد شيئا آخر. ولم يتحقق له شيءٌ مما أراد. ولم يُحقّق من أهدافه التي عيّنها شيئا، فخاب وخسر وأُرغم على أن يجلس مع مجاهدي حماس على طاولة المفاوضة، ورضي بالهُدنة، وأدرك أن مجاهدي حماس والشعب الفلسطيني المغوار الباسل لن يرضح لمطالبه. فكان من أهدافه:
١. إرجاع الأسرى الذين تم أسرهم من قِبل المجاهدين وإعادتهم إلى بيوتهم سالمين آمنين.
۲. إبادة المجاهدين جميعاً، وضمان أن لا يبقى في غزة المجاهدون وأن لا تحكمها حماس بعد هذه الحملة.
ولكن رغم مضيّ أكثر من خمسة عشر شهرا، وقتلِ آلاف من الأطفال والنساء والشبان والشيوخ، وحرقِ المساجد والمدارس ومراكز الإيواء، وتدمير البيوت وجميع البُنى التحتية الحكومية، لم يستطع الوصول إلى الأسرى، وكذلك لم يظفر بإفراغ غزة من المجاهدين كما أراد، بل ظهر مجاهدوا كتائب عز الدين القسام بزيهم الخاص، وعصائبهم الخضراء التي تخيف العدو، ومركباتهم العسكرية التي أثارت دهشة المحتل. خرجوا من كمائنهم يحملون الأسلحة، كما كانوا في اليوم الأول من الحرب، هذا الاستعراض العسكري الخاص بعد إعلان وقف إطلاق النار أثبت بأن نتنياهو لم يحقق أي شيء من حربه سوى القتل والدمار.
ومن الجدير بالذكر أن الكيان الصهيوني لم يكن وحده في هذه الحرب التي شنها على الشعب الصامد في غزة، بل كانت الدول الكبرى مثل: أمريكا وبريطانيا تساعده، وتعاضده، وتسانده بالعُدة والعتاد، وترسل إليه الأجهزة المتطورة، والأسلحة الفتاكة والقاتلة، وتقف بجانبه في جميع الحالات؛ أما المجاهدون فلم يكن لهم أسلحة متقدمة إلا ما يصنعونه بأنفسهم. ومع ذلك كله، بعون الله ﷿ استطاعوا تكبيد العدو خسائر كبيرة جدا. وهنا نلقي الضوء على بعض ما خسره المحتل الصهيوني في هذه الحرب:
١. هلاك أكثر من ألف جندي من مختلف الألوية، برُتب مختلفة.
۲. تدمير أكثر من ألف آلة حربية من الدبابات وناقلات الجند وغيرها
۳. اعترف الكيان الصهيوني بخسارة إجمالية بلغت ٦٧ مليار دولار بسبب الحرب، و٣٤ مليار الخسائر العسكرية، و٤٠ مليار العجز في الميزانية، و٩ مليارات خسائر قطاعي السياحة والبناء.
4. طيلة الحرب القائمة خلال عام ٢٠٢٤، أغلقت ألف شركة أبوابها، و٣٠ في المائة من سكان الكيان المحتل يعشيون تحت خط الفقر.
5. وأكبر من هذا كله أن جميع العالم عرف العدو الصهيوني الغاصب الذي غصب أرض فلسطين واحتلّ ديار الشعب الفلسطيني وسلب أموالهم. وأدرك الجميع بأن الكيان الصهيوني، بحربه على غزة التي قتل فيها أكثر من ٤٧ ألف إنسان؛ كيان مجرم سفاح لا يرحم أحداً.
6. انكشف زيف معايير الغرب المزدوجة. الغربيون الذين يبكون لأجل موت قط أو كلب، لم تحرك ساكناً فيهم كل المجازر البشعة المُرتكبة بحق الشعب الفلسطيني في غزة. فعلام يدل هذا التخاذل والتساهل؟ هل أدركنا بأن صمتهم وسكوتهم في حق هذا الشعب، يحمل في طياته معاني كثيرة لم نفهمها من قبل بسبب دعاياتهم الكاذبة وشعاراتهم البراقة.
ومن جانب آخر لهذه الحرب الضروس، شَهِد العالم صمود الشعب الفلسطيني وثباته على حقه ودفاعه عن عرضه وأرضه ومساندته للمجاهدين، وسطر لوحة الصمود والتضحية. نعلم جيدا أنّ الفلسطينيين ليسوا شعبا من الملائكة، ولم ينزلوا من السماء، لكن بسالة الفلسطينيين الأسطورية وشجاعتهم منقطعة النظير تخلع القلب فرحا وتزيد الإنسان اشتياقا لرؤيتهم، وتدعوه إلى التفكير فيهم أكثر، فلم يُحاصر شعبٌ كما حوصروا، ولم يُترك شعبٌ وحيداً كما تركوا، ولم يجرِ التآمر على قضية، كما جرى على القضية الفلسطينية، ولم يُخذل شعبٌ كما خُذلوا، ولم يُهمل شعبٌ كما أُهمِلوا، ولم يُظلم شعبٌ كما ظُلموا، ولم يتألب الأعداء على شعب كما تألبوا على أهل فلسطين الأباة. ومع ذلك كله، تسقط المؤامرات، وتفشل المخططات، وتلد فلسطين شعباً جديداً، وبواسل لم ترَ الميادين أمثالهم، ولم ترَ الهيجاء وساحات الوغى كصمودهم وثباتهم، تلدهم مع كل طلعة صباح، وتتوالى أجيال تضع عيونها في عين الشمس، وتلقن الباغين دروساً لا ينسوها.
وفي هذا الفداء، والصمود، والتضحية دروس وعبر لمن يعتبر بها، ولمن تهمه قضية فلسطين وسر صمود أهل غزة.
أما الحِكَم والدروس التي نستخلصها من مقاومة المجاهدين وبسالتهم وشجاعتهم في سبيل الله، والدفاع عن الأرض والعرض كثيرة جدا، منها:
١. أن السبيل الوحيد الذي يمكن أن يدحر العدو المحتل هو الجهاد في سبيل الله،وعدم الرضوح لما يطلبه. فالجهاد وإن كان صعباً على النفس، إلا أن ثمراته ونتائجه في النهاية تُفرِح النفوس، وتُزيل الكروب، كما شاهدنا آثار الجهاد في أفغانستان وسوريا وسائر البلاد المحررة.
۲. لا بد للمجاهدين أن يعرفوا منزلة الشعب الفلسطيني المجاهد، ويكونوا مع الشعب الفلسطيني الأبي الذي لم يركن ولم يفشل ولم يخذل المجاهدين حتى لدقيقة واحدة، رغم تضحياته الكبيرة جداً في الأموال والممتلكات، ورغم فقدانهم بيوتهم وأُسرهم وأبناءهم وبناتهم، ورغم جميع الدعايات التي قام بها العدو المحتل ليحول بينهم وبين المجاهدين فباء بالفشل، ولم يظفر بما أراد.
۳. بانَ للعالم أجمع بأن الأخلاق الإسلامية والقيم الدينية لا تسمح لأي أحد من المسلمين بالتعدي على الأسير وتعذيبه وضربه. رأينا الفرق الهائل بين الأسرى الذين كانوا بيد المقاومة وبين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الغاشم؛ فإن أسرى العدو لدى المقاومة كان يرتسم على ملامحهم الجذل والحبور كأنهم لم يكونوا أسرى لدى المجاهدين، بل كانوا ضيوفا محترمين مبجلين قضوا مدة من الزمن لديهم ثم عادوا إلى بيوتهم، بينما كان الفلسطينيون الذين زج بهم الاحتلال في سجونه ومعتقلاته يعانون التعذيب والضرب حيث تظهر على وجوهم الكآبة والحزن مما عايشوه في السجون. فهذا دليل واضح وبرهان جليّ لمن يسأل عن الأخلاق الإسلامية، ويريد أن يعرف الفرق الهائل والبون الشائع بين المجاهد وبين العدو المحتل الغاشم.
وأشارت حركة حماس إلى هذا الفرق، وقالت في بيان لها: “الصور أظهرت تسليم أسيرات العدو الثلاث، وهنّ بكامل صحتهنّ الجسدية والنفسية، بينما بدت على أسرانا وأسيراتنا آثار الإهمال والإنهاك، ما يُجسّد الفارق الكبير بين قيم وأخلاق المقاومة وبين همجية وفاشية الاحتلال”.
٤. وأخيرا فازت غزة بعد حرب دامت أكثر ٤٧١ يوما، ورفعت رأس الأمة الإسلامية من جديد، وستبقى غزة، وسيبقى الشعب الفلسطيني، وستبقى قضيتهم، وسيذكر الجميع أهل غزة العزة بجهادهم وفدائهم ومقاومتهم، وسيكتب التاريخ عنهم، وسيخلدهم في صفحاته.
كتب دكتور عاشور وصفي أبو زيد في مقال له: “إن الإيمان الصادق، والأخلاق السامية، والدماء الزكية، يفتح الله بها ما يشاء من قلوب، ويغيظ بها ما يشاء من أعداء، ويحيي بها ما يريد من قلوب قاسية وضمائر ميتة، ويوقظ بها النائمين، وينبه بها الغافلين، ويحول بها الأحداث، ويكتب بها التاريخ الجديد، ويمحو بها – سبحانه – ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب!”
وخاب بنو صهيون وخسروا المعركة، وأُجبروا على الانسحاب من غزة، وعلى إطلاق سراح الأسرى.
این مطلب بدون برچسب می باشد.
دیدگاه بسته شده است.