‏درس من التاريخ وللتاريخ؛ انهيار نظامي أشرف غني وبشار الأسد ومصير الأنظمة المترهلة

أما في ‎سوريا، فقد اعتمد بشار الأسد على الدعم الروسي والإيراني في مواجهة المعارضة السورية المسلحة، كانت ‎إيران و ‎روسيا الداعمين الرئيسيين للأسد طوال سنوات الحرب التي شنها نظام ‎بشار الأسد إذ قدما له الدعم العسكري والمالي لحماية نظامه، ورغم هذا الدعم، فشل نظام الأسد في تأسيس قاعدة شعبية قوية أو إعادة بناء جيش قوي ومستقل، وكان في معظم الأوقات يظل يعتمد على الحلفاء الأجانب والمليشيات المجرمة، وعندما تعرض النظام لضغوط كبيرة من المعارضة والتهديدات العسكرية، كان انهياره في النهاية مسألة وقت فقط، كما هو الحال في أفغانستان، ساعدت القوى الخارجية الأسد، ولكن لم يكن لديها القدرة على إعادة بناء النظام بما يكفي لصد الهجوم الشعبي.

 

لقد شكل انهيار النظامين في كابل و ‎دمشق صدمة ومفاجأة كبيرة لجميع المهتمين بالشؤون السياسية والعسكرية، فسقوط نظام أشرف غني في أفغانستان ونظام بشار الأسد في سوريا حدثان مفاجئان تمكنا من إحداث تأثيرات ضخمة على المستويات الإقليمية والدولية، ورغم أن السياقات التي أدت إلى انهيار كل منهما قد تختلف، إلا أن هناك العديد من العوامل المشتركة التي ساهمت في هذا السقوط السريع والمدوي، الذي لم يستغرق أكثر من أسبوعين في كلا الحالتين، ويُمكننا استخلاص العديد من العبر والدروس من هذين الحدثين، ليس فقط فيما يتعلق بالعوامل التي أدت إلى انهيار النظامين، ولكن أيضًا في ما يتعلق بإدارة الأزمات والصراعات.

وهذه السرعة غير المتوقعة التي انهار فيها النظامان تطرح تساؤلات عميقة عن أسباب سقوطهما وتفككهما بهذه الطريقة المأساوية، وتكشف عن قواسم مشتركة بينهما تساهم في فهم هذه الظاهرة.

 

الاعتماد على القوى الخارجية والدعم الأجنبي؛

أحد الأسباب الأساسية لانهيار النظامين هو اعتمادهما الكبير على القوى الاستعمارية، ففي حالة أشرف غني، كان الدعم الأمريكي السخي هو العمود الفقري للحكومة العميلة التي استطاع الأمريكان الحفاظ عليها لعقدين بقوة النار والحديد والمال، فقد استمر الدعم العسكري والمالي الأمريكي لمدة عشرين عامًا، في محاولة لاستقرار النظام العميل في مواجهة الشعب الأفغاني والمقاومة الأفغانية ضد الاحتلال، المتمثلة في الإمارة الإسلامية، لكن رغم هذا الدعم الضخم، كان النظام العميل في ‎أفغانستان يعتمد بشكل رئيسي على العوامل الخارجية خلال للإرادة الأفغانية الحرة، ولم يكن قادرًا على بناء مؤسسات قوية ومستقلة داخليًا بسبب الفساد المستشري في بنيتها وافتقارها لكوادر مخلصة متقنة، الأمر الذي جعله هشًا للغاية، وعندما بدأت ‎الولايات المتحدة في سحب قواتها وفقًا لاتفاق السلام مع الإمارة في العاصمة ‎الدوحة بدولة ‎قطر بعد يقينها باستحالة هزيمة المقاومة الأفغانية، انهار النظام في وقت قصير للغاية؛ إذ تهاوى في غضون 11 يومًا فقط، مما يبرز هشاشة النظام الذي يعتمد على الخارج وعدم قدرته على الصمود بمفرده أمام إرادة الشعب.

 

أما في ‎سوريا، فقد اعتمد بشار الأسد على الدعم الروسي والإيراني في مواجهة المعارضة السورية المسلحة، كانت ‎إيران و ‎روسيا الداعمين الرئيسيين للأسد طوال سنوات الحرب التي شنها نظام ‎بشار الأسد إذ قدما له الدعم العسكري والمالي لحماية نظامه، ورغم هذا الدعم، فشل نظام الأسد في تأسيس قاعدة شعبية قوية أو إعادة بناء جيش قوي ومستقل، وكان في معظم الأوقات يظل يعتمد على الحلفاء الأجانب والمليشيات المجرمة، وعندما تعرض النظام لضغوط كبيرة من المعارضة والتهديدات العسكرية، كان انهياره في النهاية مسألة وقت فقط، كما هو الحال في أفغانستان، ساعدت القوى الخارجية الأسد، ولكن لم يكن لديها القدرة على إعادة بناء النظام بما يكفي لصد الهجوم الشعبي.

 

إهمال مطالب الشعب؛

لم يستجب أشرف غني لمطالب الشعب الأفغاني المشروعة، رغم المناشدات المتكررة من مختلف فئات الشعب والمقاومة المسلحة ضد الاحتلال، وفشلت حكومته في إصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ولم تكن هناك استجابة فعالة للمظالم الشعبية، كما أن غني لم يستجب لمطالب الشعب بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الإمارة الإسلامية. بالمثل، كان بشار الأسد في سوريا يكرر الخطأ نفسه بعدم استجابته لمطالب الشعب السوري الحقة، رغم البداية السلمية للثورة السورية المطالبة بالإصلاحات، اختار الأسد استخدام القوة المفرطة والبراميل المتفجرة ضد المتظاهرين، وارتكب أبشع المجازر، مما أدى إلى تحويل الانتفاضة السلمية إلى حرب ضارية مدمرة، وهذا التجاهل لمطالب الشعب كان له دور كبير في تعميق الأزمة السياسية وازدياد الغضب الشعبي، ما ساهم في انهيار النظامين بسرعة.

 

إرهاق الجيوش واعتمادها على القوى الاستعمارية؛

النظامان كانا يعولان بشكل أساسي على جيوش منهكة وغير قادرة على الصمود في مواجهة التحديات،ففي أفغانستان، خاض الجيش العميل جنبا إلى جنبا مع القوات الأمريكية المحتلة وعساكر حلف الناتو معارك مريرة ضد الإمارة الإسلامية لأكثر من عقدين، ونتيجة لذلك، أصبح الجيش يعاني من ضعف معنوي وافتقار للقدرة القتالية، كما أن الفساد المنتشر داخل الجيش أدى إلى تفشي حالة من الإحباط بين الجنود، مما جعل انهيار النظام أمرًا محتومًا، وعندما بدأت الولايات المتحدة في الانسحاب والهروب من أفغانستان، تراجع جيش أشرف غني بشكل سريع وانهار النظام في غضون أيام.

 

في سوريا، تعرض الجيش السوري لنفس المصير، فقد خاض حربًا طاحنة ضد المعارضة المسلحة لمدة تزيد عن عقد من الزمن، مما أدى إلى إنهاك قوته بشكل تدريجي، ومع بداية الثورة السورية، كان الجيش قد تعرض للإرهاق الشديد، مما جعله غير قادر على ردع الثوار، ورغم الدعم الروسي والإيراني، كان الجيش السوري يعاني من تراجع حاد في المعنويات والمعدات العسكرية، ما أسهم في سرعة تدهور الوضع.

 

دور القوى الاستعمارية في دعم الأنظمة؛

سعت القوى الاستعمارية بشكل دائم للحفاظ على استقرار النظامين في أفغانستان وسوريا، ففي أفغانستان، لم تدخر الولايات المتحدة جهدًا في تقديم الدعم المالي والعسكري لنظام أشرف غني وقبل نظام حامد كرزاي، ولكن رغم هذه المساعدات، لم يتمكن النظام من بناء قواعد داخلية مستقرة قادرة على مواجهة التحديات، وكان التراخي في بناء المؤسسات الداخلية وتثبيت سلطة الحكومة الوطنية سببًا رئيسيًا في انهيار النظام عندما انسحبت القوات الأمريكية.

 

أما في سوريا، فقد سعت روسيا وإيران إلى دعم بشار الأسد بكل الوسائل الممكنة، ورغم الدعم الهائل من هذه القوى، فإن النظام السوري فشل في استعادة استقرار حقيقي أو خلق آلية سياسية قابلة للبقاء، وقد أظهرت هذه التجربة أن الدعم العسكري من الخارج وحده لا يكفي لإدامة الأنظمة القمعية إذا كانت لا تمتلك قاعدة شعبية حقيقية.

 

الدرس المستفاد؛

إن انهيار نظامي أشرف غني وبشار الأسد في وقت قياسي يثبت أن الأنظمة التي تعتمد بشكل كامل على القوى الأجنبية، وتتجاهل مطالب شعوبها، وتستمر في تنفيذ سياسات قمعية، لن تكون قادرة على الصمود أمام التحديات، ولاشك أن هذه الأنظمة نجحت في البقاء لفترات طويلة بفضل الدعم الخارجي، لكن هذا الدعم لم يكن كافيًا لتأمين استمرارية النظامين على المدى البعيد.

 

والدرس الذي يمكن استخلاصه من انهيار هذين النظامين هو أن الأنظمة يجب أن تبني استقرارها على أساس داخلي من خلال التفاعل مع شعوبها، والعمل على تحقيق تطلعاتها، كما يجب على الحكام أن يدركوا أن القمع والاعتماد على القوى الخارجية لن يمنع النهاية المحتومة إذا كانت الشرعية الشعبية غائبة.

 

كما هو مجرم من يقتل شعبه لمصالح غيره ويدمر بلده لتحقيق رغبات المستعمرين، أولئك الذين يبيعون وطنهم وشعبهم من أجل الحفاظ على سلطتهم أو تحقيق مكاسب شخصية أو سياسية أو تنفيذ أجندات أجنبية على حساب مصالح الشعب، هؤلاء القادة يرتكبون أبشع الجرائم الإنسانية، إذ يتعاونون مع القوى الخارجية لتحقيق أهدافهم الخاصة على حساب معاناة شعبهم، فيغرقون بلادهم في الحروب والصراعات ويغشون الناس بالترويج للأكاذيب التي تبرر هذه الأعمال القاتلة.

 

التاريخ مليء بالعديد من الأمثلة على هذا النوع من القادة الذين خانوا شعوبهم وانحازوا إلى القوى الاستعمارية أو الطامعة لتحقيق مصالحهم الخاصة، هؤلاء لا يكتفون بخيانة ثقة شعوبهم فحسب، بل يعرضون مستقبل وطنهم للخطر، ويعملون على تدمير نسيج المجتمع وإفقار البلاد، وعندما يرضخون للإملاءات الأجنبية، فإنهم في الحقيقة يرسّخون الاستعمار الجديد، مما يجعل الشعب يعاني في ظل النظام الاستبدادي الذي يفرضه عليهم هؤلاء القادة.

 

وهؤلاء العملاء عادة ما يعمدون إلى قمع أي مقاومة شعبية، ويصورونها على أنها تهديد لأمن البلاد، وينعتونها بأبشع النعوت، بينما في الحقيقة، هم أنفسهم الذين يشكلون أكبر تهديد لهذه البلاد ويمارسون أشرس إرهاب ضد شعوبهم، بتعاونهم مع القوى الأجنبية التي تسعى إلى استنزاف مقدرات الوطن وتحقيق مصالحها على حساب الكرامة الوطنية.

 

وفي النهاية، إن ما يرتكبه هؤلاء العملاء من جرائم ليس مجرد خيانة للوطن والشعب، بل هو تدمير للإنسانية نفسها، فالشعب الذي يُسحق لصالح المصالح الخارجية، والبلد الذي يُدمّر من أجل تحقيق رغبات وتنفيذ أجندات قوى استعمارية، لا يمكن أن يكون إلا ضحية لخيانة وطنية عظيمة.