عندما فتحت أبواب كابول على مصراعيها

احتلت أرض أفغانستان في هذه العقود الأربعة، ثلاث مرات، وفي كل مرة، قام هذا الشعب الأبي في وجه المحتل، وخضد خضراءه، واستأصل شأفته وأخرجه من أرضه عنوة، وجعله عبرة لمن يعتبر وعظة لمن يتعظ.

 

الكاتب: أبو سهيل

 

٢٤ من أسد، يومٌ مشهودٌ؛ يوم لا يسناه الأجيال، يومٌ وقف فيه العالم ينظر إلى مجاهدي الأفغان بالتبجيل والاحترام، يومٌ سجل في التاريخ أنه يوم اعتزاز الشعب الأفغاني المجاهد وفخره. يومٌ فرّ فيه الأذناب والعملاء وتركوا أفغانستان لأهلها، وفوضوا مقاليد الأمور إلى من يستحقها. يومٌ تحقق فيه النصر الإلهي المؤزر الذي لا يحصل عليه إلا المجاهدون الصابرون القابضون على الجمر، الذين يحملون بنادق الجهاد والفداء على أكتافهم. يومٌ سطر فيه الشعب الأفغاني صفحة جديدة من التاريخ. يومٌ وقف فيه هذا الشعب شامخا شموخ الجبال أمام القصر الرئاسي، ونادى بأعلى صوته: الله أكبر، والعزة لله.

عانى الشعب الأفغاني منذ أربعة عقود أنواعا كثيرة من الصعوبات والمشكلات، وتكبد خسائر فادحة في الأموال والممتلكات، وتجرّع غصص البُعداء والجيران، هجم عليه القوى الطاغية الشرسة المفترسة التي كانت تحلم في زمانه أن تسيطر على العالم أجمع، وأردوا أن يحتلوا أرضه ويستعبدوا أحراره، ولكن لم يستسلم رغم الخذلان، ولم يترك الجهاد والقتال مع وجود الحرمان، بل ضحى بالغالي والرخيص لاعتلاء كلمة الله، ولتخلص أرضه من رجس المحتل الأجنبي المتبختر المختال.

احتلت أرض أفغانستان في هذه العقود الأربعة، ثلاث مرات، وفي كل مرة، قام هذا الشعب الأبي في وجه المحتل، وخضد خضراءه، واستأصل شأفته وأخرجه من أرضه عنوة، وجعله عبرة لمن يعتبر وعظة لمن يتعظ.

إلى أن تجبرت أمريكا ومَن معها من الدول المتجبرة الغاشمة، وتكبرت، وتغطرست ولم تعتبر بماضي المتغطرسين، وأرادتْ أن تجعل دولة أفغانستان دولة عميلة، وتجعل شعبها، شعبا عميلا مطاعا يستمع لها ويطيع، ولكن هذا الشعب الذي عُرف بالبسالة والشجاعة لا يرضخ لأجنبي محتل، بل يطرده مهما كان الثمن ومهما كانت الظروف. فبدأ بالجهاد والمقاومة والنضال، افترش الجمر، وتوسد الشوك، وازدرد المرارة، وسكن الكهوف والمغارات، ولكن لم يترك راية الجهاد والفداء تسقط على الأرض.

 

بعد قتالٍ طويلٍ، وجهاد مضنٍ دامَ عشرين عاما استطاع المجاهدون أن يكسروا شوكة العدو المحتل الجبان الأمريكي وأتباعه وأذنابه الذين عاثوا في أرض أفغانستان فسادا ودمارا، وملؤوها ظلما وجورا، وجعلوها بؤرة المخدرات، وأنشأوا فيها مكامن الجماعات الإرهابية ومخابئها. استطاع المجاهدون أن يفتحوا أبواب كابول وأن يدخلوها بقوة إيمانهم وصلابة عقيدتهم الجهادية التي لم يتنازلوا عنها طيلة الأعوام قيد شبر. استطاع مجاهدو إمارة أفغانستان الإسلامية أن يدّخوا دولة وقفت خلفها أربعون دولة ظالمة محتلة، وساعدوها بنفسهم ونفيسهم وغاليهم ورخيصهم. الدولة الجمهورية العميلة التي كانت لا تعرف قانونا غير ما تفرضه الغرب الكافرة، ولا ترى لها حافظا ومساعدا وحاميا غيرها. دولة منهارة داخليا، ومنحطة أخلاقيا، بنيت على أساس ديموقراطية غربية فاشلة منبوذة.

دولة كانت لا تعرف سوى الوحشية والبربرية والهمجية. كان منجها منهج الظلم والضيم والعنصرية. كانت تحمي الفساد والمفسدين والسراق واللصوص، وتبذل الأموال في أمور لا طائل تحتها، وعرف مسؤولوها وأبزر قادتها بالسلب والنهب وغصب الأراضي وادخار الثروات الهائلة.

الحكومة التي جلبت الويلات والدمار إلى هذه الديار، وجوّعت الشعب الأفغاني مع وجود الثروات الطبيعية الهائلة الموجودة تحت أراضيها، ومع المساعدات التي كانت تُرسلها المنظمات الإغاثية العالمية.

الحكومة التي كانت تتباهى بوجود أمريكا في البلاد، وتعيش في ظلها عيشة رغيدة، وراضية. وعندما عجزت أمريكا عن مواجهة هؤلاء الأبطال، وأقبلت إلى التفاوض، وركنت إليها، استيقظ الحكوميون الذين غطوا أنفسهم برداء الغرب، وكانوا لا يشعرون بوهج الشمس التي تحرقهم، ووجدوا أنفسهم وحدانا بلا مساعد وحام، وتشبثوا بكل حشيش ولكن هيهات هيهات.

هذا، وكان مجاهدو إمارة أفغانستان الإسلامية، يتقدمون يوما بعد يوم، ويسيطرون على قطر بعد قطر، حتى وقفوا على أبواب كابول، وعندما وصل هذا الخبر إلى أشرف غني الذي كان يعدُّ زعيما خياليا والأمور بيد الآخرين، جنّ جنونه، وتوترت أعصابه ومن معه، وفرّ من كابول. هكذا دخل الأبطال الكماة، أرض كابول رافعين رؤوسهم، ترفرف فوق رؤوسهم الرايات البيضاء. دخلوها مكبرين مهللين. دخلوها لينشروا فيها الأمن والأمان، ويمنعوا الفوضى والهرج، دخلوها ليقيموا فيها الإمارة الإسلامية من جديد.