اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
على مرّ التاريخ، سعى المحتلون والمستبدون إلى فرض واقع جديد يتماشى مع مصالحهم، متجاهلين إرادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها، ولم تكن غزة استثناءً من هذه القاعدة، إذ حاول الاحتلال الصهيوني ومن خلفه القوى الداعمة له وعلى رأسها دولة الإجرام أمريكا تحويلها إلى ورقة مساومة ضمن مخططات التوسع والهيمنة، لكن التاريخ يثبت أن […]
على مرّ التاريخ، سعى المحتلون والمستبدون إلى فرض واقع جديد يتماشى مع مصالحهم، متجاهلين إرادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها، ولم تكن غزة استثناءً من هذه القاعدة، إذ حاول الاحتلال الصهيوني ومن خلفه القوى الداعمة له وعلى رأسها دولة الإجرام أمريكا تحويلها إلى ورقة مساومة ضمن مخططات التوسع والهيمنة، لكن التاريخ يثبت أن غزة لم تكن يومًا مجرد بقعة جغرافية قابلة للمقايضة، بل كانت وما زالت رمزًا للمقاومة والصمود في وجه الطغيان.
وفقًا للأحداث التاريخية، حاول عديد الحكام المستبدون عبر العصور تغيير مصير الشعوب من خلال الصفقات والاتفاقيات والمؤامرات السرية والاحتلال، لكن التاريخ أثبت أن هذه المحالاوت باءت بالفشل مع العديد من الشعوب لا سيما شعب غزة.
في الأيام الأخيرة كثرت تهديدات المجنون الذي وصل البيت الأبيض الأمريكي وحوله إلى حظيرة المجانين دونالد ترامب الذي ادعى أنه يريد جعل غزة ملكًا لأمريكا، ويسعى لإقناع السعودية و مصر والأردن ودول أخرى بتهجير الفلسطينيين من أرضهم والبحث لهم عن بدائل أخرى في بقية البلدان العربية.
يُعدّ هذا التصريح جزءًا خطيرًا من مخطط الاحتلال الصهيوني طويل الأمد، الذي يهدف إلى محو هوية الفلسطينيين والقضاء على معاقل المقاومة بدعم أمريكي خالص، دونالد ترامب، بعقليته التجارية، يظن أن كل شيء قابل للمساومة، لكنه غير مدرك لحقيقة مفادها أن فلسطين حقيقة تاريخية، والتزام إيماني، ومقاومة لا يمكن المتاجرة بها، ومثل هذه الطروحات تعكس الفهم القاصر لحقيقة الصراع، فالقضية ليست مجرد مشكلة ديموغرافية يمكن معالجتها عبر الهندسة السكانية، بل هي مسألة هوية وتاريخ وجذور ضاربة في الأرض.
عند النظر إلى التاريخ، نجد أن قضية فلسطين لم تبدأ فقط بعد الاحتلال عام 1948، وكلما حاول المحتلون فرض رؤيتهم على غزة، كانت النتيجة عكسية، بل كانت قبل ذلك هدفًا للمؤامرات والصفقات السرية، مثل وعد بلفور واتفاقية سايكس-بيكو وتواطؤ بعض القادة العرب وتخاذلهم لأهل فلسطين ومن ذلك ما فعلوه بعبد القادر الحسيني الذي تركوه وجنوده في أوج انتصاراتهم إبان معركة القسطل بلا مدد ولا سلاح، ومع كل محاولة للمساومة على فلسطين وتخاذل عربي وإسلامي، كان الشعب الفلسطيني يزداد قوة، وتتوسع المقاومة تزداد قوة وصلابة، ويشتد بفضل الله عز وجل نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، لقد واجهت غزة الاحتلال بكل أشكاله، فقاومت الانتداب البريطاني، ووقفت سدًّا منيعًا أمام الاحتلال الإسرائيلي، وحملت راية الدفاع عن القضية الفلسطينية رغم الحصار والتجويع والقصف المتواصل، وبقيت ثابتة في معادلة الصراع، ولم تفلح كل محاولات إخضاعها.
مهما كانت الجهة التي تقف خلف خطة ترامب الجنونية، فإنها ستواجه معارضة شديدة من الفلسطينيين، ومن العالم الإسلامي، ومن الشعوب الحرة الداعمة لعدالة وأحقية القضية الفلسطينية، ولا شك أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى لإسقاط حركة حماس والمقاومة ونزع سلاحها، لكن العكس هو ما سيحدث؛ إذ أضعفتْ مقاومة حماس إسرائيل وألحقت بجيشها أضرارا كبيرة خلال معركة طوفان الأقصى، وأحدثت عدم استقرار سياسي داخلي في الكيان المحتل، وكشفت وجه الاحتلال أمام العالم، كل ذلك بفضل الله ثم صمود الشعب الفلسطيني.
غزة هي معقل الأمة الإسلامية، وستظل محصنة بإيمان أهلها، ورغم التفوق العسكري الإسرائيلي، فإن معيار المعركة الحقيقي هو قوة المقاومة، وليس عدد الأسلحة، وقد أكد أبو عبيدة، أن سلاحهم الحقيقي هو الروح الإيمانية والدعم الشعبي. وإن الشعوب الإسلامية، وهتافات الحرية لفلسطين، والانقسامات السياسية داخل إسرائيل، كلها مؤشرات على فشل الاحتلال.
ورغم محاولات ترامب لإقناع الأردن ومصر بدعم خطته الإجرامية، فقد رفضت الدولتان هذا الطرح مسبقًا. كما أن المملكة العربية السعودية لا تزال متمسكة بموقفها الرسمي الذي يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وهو موقف يتماشى مع بقية الدول العربية، ويؤكد أن فلسطين ليست للبيع، كما حذّرت مصر ترامب من أن أي محاولة لتهجير سكان غزة ستؤدي إلى أزمة إقليمية كبيرة.
يعيش ترامب في عالم القوة والمال والصفقات، ويعتقد أنه يمكنه التعامل مع غزة وكأنها مجرد سلعة تجارية، لكن هذا مجرد وهم وخيال لا يمكن تحقيقه، وأوهام المحتلين وداعميهم ستتبدد على أرض غزة وعامة فلسطين.
الشعوب ليست جزءًا من الصفقات التجارية، وفلسطين ليست مشروعًا اقتصاديًا يمكن تبادله بين القوى الكبرى، وكل احتلال حاول محو هوية الشعوب أو المتاجرة بمصيرها، واجه هزيمة تاريخية، كانت حرب فيتنام وصمة عار لأمريكا، وكانت حرب أفغانستان الأخيرة أكبر دليل على هزيمة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
ومهما حاول ترامب، فلن تكون غزة بضاعة قابلة للبيع، إنها مجرد خطة وهمية وحبر على الورق، ولا يمكن تنفيذها بأي حال، ولا تحظى بدعم دولي، ولن يقبلها الفلسطينيون أبدًا.
غزة هي معقل النضال، وتاريخ حيّ من الدماء والشهادة، وستظل شوكة في عين الاحتلال، وإن مسار مقاومة حماس وفصائل المقاومة سيمضي قدمًا حتى تحقيق الحرية والنصر، لأن التاريخ أثبت أن عزيمة الشعوب الصادقة قادرة على إذلال المحتلين وإجبارهم على الانسحاب.
دیدگاه بسته شده است.