اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
إن غزة، هذه المدينة الصغيرة الوادعة، ذات الثلاثمائة كيلو متر مربع؛ تصنع اليوم بساعديها نصرها ونصر الأمة الإسلامية جمعاء؛ بكفاحها وثباتها وصبرها ومصابرتها وجهادها لأمم الجور والإفساد والطغيان.
قرابة العشرة أشهر مرّت على أهالي قطاع غزة وهم تحت نيران الكيان الصهيوني الآثم، في حرب إبادة وتهجير وتجويع ممنهجة ومتعمّدة؛ يُمنّي الاحتلال فيها نفسه إما بإفراغ القطاع من أهليه وإحلال المستوطنين الصهاينة محلّهم، تماماً كما فعل في المناطق التي احتلّها عام 1948م، أو فرض سلطة دُمية عميلة تابعة له كما فعل في مناطق الضفة الغربية، لتكون يداً له في قمع أي مقاومة ضده.
يحدث هذا بدعم وتأييد مادي ومعنوي كاملَين من قبل حكومات الغرب، وبالتالي مؤسساته ومنظماته التي لا يسعها إلا أن تدور في فلكه وتصفق لسياساته. والتي لا يَنتظرُ منها إنصافاً أو عدلاً إلا أعمى بصيرة.
يقول الكاتب أحمد خالد توفيق: “في طفولتي مزّق أحد الصبية في المدرسة كتابي؛ فذهبت أشكوه للمعلمة -التي كانت أمه-، كنتُ أعرف أن تصرفي ساذج، لكني توقعتُ أن تكون عادلة، وأن يضعها هذا الموقف عند مستوى المسؤولية، ربما تقسو عليه أكثر كي تثبت عدالتها، لكني كنتُ أحمقاً فعلاً؛ لأن المرأة اكتفت بأن قالت له: “عيب يا مشمش”!
وعدتُ لمقعدي لأتلقى سخريته. وفي النهاية، عرفتُ أن العمل الوحيد الممكن هو أن أمزّق كتابه كما مزّق كتابي، وقد فعلتُ هذا وتلقيتُ عقاباً لا بأس به (26 ضربة بطرف المسطرة الحاد)، لكني كنتُ مسروراً”.
إن اعتقاد الكاتب -رحمه الله- يشبه اعتقاد أولئك الذين لازالوا يعلّقون حبال آمالهم بالمجتمع الدولي ومنظماته ومؤسساته؛ في استرجاع الحقوق وتحقيق العدالة والاقتصاص من الاحتلال الصهيوني ومحاسبته عن المجازر التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني!
نعم، لا سرور ولا شفاء للصدور ولا استرداد للحقوق إلا بالاعتماد على الله ثم على النفس والجهد الذاتي في دفع صيال لصوص الحياة والأوطان. قال عز وجل: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا) [النساء:84].
ونحسب أن المجاهدين في غزة عملوا بمقتضى هذه الآية الكريمة، يبذلون لها مهجاً ويسترخصون لها أرواحاً؛ ويكونون وبالاً وبلاءً على جيش الاحتلال الصهيوني المجرم؛ يكمنون لمدرّعاته ودباباته وينسفونها نسفاً، وينصبون الفخاخ المُحكمة لجنوده فيمزقونهم بين قتيل وجريح، ماضين في طريق جهادهم لا يثنيهم تخذيل أو خذلان أو إرجاف. فبعد مئتين وأربعة وثمانين يوماً من المشاهد اليومية المستمرة في قطاع غزة للقصف والدمار والخراب والمجازر الجماعية والتجويع ومنع دخول الدواء والغذاء؛ لا يزال الفتية الأفذاذ الذين صنعهم الإسلام العظيم يخرجون للاحتلال الغاصب من كل ركن في قطاعهم الحبيب، يخرجون له في كل زقاق، ومن تحت أنقاض كل منزل، ليؤدوا ما فرضه الله عليهم من دفاع عن الدين والنفس والعرض والأرض والمال والأهل، ودفع لصيال الصهاينة المعتدين.
إن المتأمل في الجرائم والفظائع الهمجية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني منذ أكثر من تسعة أشهر، ومباركة العالم الغربي لما يفعله الاحتلال وتزويده بالأسلحة والأموال وبالدعم السياسي؛ ليجزم بأن المرحلة التي سوف تلي هذا البغي والفساد ستكون منعطفاً مفصلياً عظيماً في تاريخ الجهاد الفلسطيني، وستكون المسمار الأخير في نعش هذا الكيان الطفيلي الدخيل على فلسطين وعلى المنطقة العربية وعلى العالم الإسلامي -بإذن الله-.
إن التاريخ بيننا قائمٌ يشهدُ على أن المجاهدين ما استكان لهم عزمٌ ولا خَبَت لهم همّة ولا لانت لهم قناة، مهما اغتال المحتلّون من قادتهم ورجالاتهم وأبناء شعبهم. بل إنهم يزدادون بأساً وعناداً وإصراراً، مستمدّين من كتاب الله الكريم وسنة نبيه المطهّرة وقود كفاحهم وأنوار نضالهم. لقد اغتال المحتل الصهيوني القائد المهندس يحيى عياش عام 1996؛ فصنع له المجاهدون صاروخ (عياش 250)، واغتال القائد د. إبراهيم المقادمة عام 2003؛ فصنع المجاهدون له (صاروخ M75)، واغتال القائد الشيخ أحمد ياسين عام 2004؛ فصنع له المجاهدون (قاذف الياسين) المضاد للدروع، واغتال الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي عام 2004؛ فصنع له المجاهدون (صاروخ R160)، واغتال عدنان الغول عام 2004؛ فصنع له المجاهدون (بندقية الغول القنّاصة)، واغتال القائد أحمد الجعبري عام 2012؛ فصنع له المجاهدون (صاروخ J80)، واغتال محمد أبو شمالة عام 2014؛ فصنع له المجاهدون (صاروخ SH85)، واغتال القائد رائد العطار عام 2014؛ فصنع له المجاهدون (صاروخ A120)، واغتال القائد محمد الزاوي عام 2016؛ فصنع له المجاهدون (طائرة الزاوي الاستطلاعية والانتحارية).
وهو اليوم يغتال ويقتل ويزهق قرابة الخمسين ألف روح بريئة من أرواح الشعب الفلسطيني في غزة، فماذا يا تُرى سيعدّ له المجاهدون من مفاجآت تسوؤه وتقضّ عليه عيشه؛ تليق بكل هذه التضحيات والآلام والمعاناة؟
لقد بدأ جهاد الشعب الفلسطيني بالسكاكين والحجارة والعصيّ والنِبال، حين عزّ المُعين وجرّده القتلة المجرمون من كل سلاح وقوّة. فحفر هذا الشعب الأبيّ في صخر الأرض ليصنع بيديه سلاحه؛ حتى نجح في صناعة بعض الأسلحة البسيطة كالمسدسات والقنابل اليدوية والعبوات المتفجّرة والصواريخ ذات المدى القريب. وهو اليوم يصل إلى القنّاصات والطائرات الاستطلاعية والانتحارية والقاذفات والصواريخ ذات المدى الأبعد.
فيا أيها المجاهدون الأبطال تذكروا ما قاله ذات يوم الأديب الأريب مصطفى لطفي المنفلوطي، حيث قال: “إنكم لا تحاربون رجالاً أشداءً، بل أشباحاً تتراءى في ظلال الأساطيل، وخيالاتٍ تلوذ بأكناف الأسوار والجدران، فاحملوا عليها حملة صادقة تطير بما بقي من ألبابها، فلا يجدون لبنادقهم كفاً، ولا لأسيافهم ساعداً. إنهم يطلبون الحياة، وأنتم تطلبون الموت، ويطلبون القوت، وتطلبون الشرف، ويطلبون غنيمة يملأون بها فراغ بطونهم، وتطلبون جنة عرضها السموات والأرض، فلا تجزعوا من لقائهم، فالموت لا يكون مرّ المذاق في أفواه المؤمنين”.
دیدگاه بسته شده است.