ماذا ستجني باكستان من استخدام القوة ضد أفغانستان؟

على الرغم من التحذيرات العديدة التي وجهتها أفغانستان إلى باكستان بضرورة التوقف عن مثل هذه الأنشطة التي تضر بالبلدين والشعبين وعلاقاتهما، إلا أن باكستان لم تولِ أي اهتمام لهذه التحذيرات، بل بدأت تلقي الاتهامات ضد أفغانستان، كما أقدمت القوات الباكستانية مراتٍ عديدة بقصف الأراضي الأفغانية وقتلت أطفالًا ونساءً أبرياء تحت مزاعم أنها تتبع جماعات معارضة مناوئة لها.

 

بينما تواصل الحكومة الأفغانية جهودها لتعزيز الأمن وحماية الحدود، وتطوير وتحسين علاقاتها مع دول الجوار والمنطقة والعالم، فوجئ الجميع بهجمات أخرى للجيش الباكستاني استهدفت مدنيين في ولايتي خوست وبكتيكا جنوب شرق ‎أفغانستان بدعوى محاربة “الإرهاب” واتهامات وادعاءات لا أساس لها من الصحة ولا تستند إلى أدنى دليل، وأدت الهجمات التي شنها الجيش الباكستاني إلى استشهاد العديد من أطفال ونساء مهاجري وزيرستان وآخرين وتدمير بعض المنازل السكنية.

 

وزعم الجانب الباكستاني كعادته أن هجماته الأخيرة استهدفت عناصر حركة “طالبان باكستان” في مناطق تقع على الجانب الآخر من خط “ديوراند” الافتراضي، وهو الخط الذي رسمه الاستعمار البريطاني لتقسيم قبائل البشتون التي تقطن حاليا على طرفي هذا الخط.

 

وكانت الإمارة الإسلامية قد مدت يد الصداقة إلى الجميع في إطار سياسة متوازنة تنتهجها وتقوم على أساس “لا ضرر ولا ضرار” إلا أن الحكومة الباكستانية التي يسيطر عليها الجيش الباكستاني قد أعادت الانتهاكات واحدا تلو الآخر، وتجاوزت وتجاهلت مبدأ حسن الجوار غير آبهة بما تترتب على تصرفاتها وأعمالها العدائية ضد جيرانها من عواقب من شأنها أن تضر كلا الطرفين وذلك من خلال شن هجمات وتوجيه اتهامات تحت سقف من الادعاءات الكاذبة التي لا تصح أصلا بالإضافة إلى دعم وتعبئة جماعة داعش الخارجية التي تشن هجمات داخل الأراضي الأفغانية انطلاقا من ‎#باكستان.

 

والإمارة الإسلامية منذ وصولها إلى الحكم في منتصف أغسطس 2021 تستمر في خطواتها نحو تحسين العلاقات مع الآخرين وتمشي في السلك الدبلوماسي والعلاقات مع الجيران ودول المنطقة والعالم وفق إطار “عدم السماح لتهديد الآخرين انطلاقا من الأراضي الأفغانية وعدم السماح لتهديد الأفغان وانتهاك سيادتهم وخلق المشاكل لهم” وتنفيذا لهذه السياسة الحكيمة قامت العديد من الدول بتعزيز علاقات دبلوماسية مع الحكومة الأفغانية، وهذه العلاقات تتطور يوما بعد يوم ولله الحمد والمنة.

 

ولسوء الحظ فإن العديد من الدول التي تربطها علاقات سرية مع أعداء الشعب الأفغاني، استغلت تسامح وحِلم الإمارة الإسلامية لتحقيق أغراضها ومصالحها وأهدافها المشؤومة، واستمرت في تعميل سياسة الضغط والتأثير ضد أفغانستان وشعبها المجاهد، وواصلت الانخراط في تصرفات تتنافى مع القيم والأعراف الدبلوماسية ومبدأ حسن الجوار كما لجأت إلى أعمال عدائية تارة باستهداف مباشر وتارة بتحريك وكلائها مثل داعش وجبهة البغاة المسماة زورا بجبهة المقاومة.

 

على الرغم من التحذيرات العديدة التي وجهتها أفغانستان إلى باكستان بضرورة التوقف عن مثل هذه الأنشطة التي تضر بالبلدين والشعبين وعلاقاتهما، إلا أن باكستان لم تولِ أي اهتمام لهذه التحذيرات، بل بدأت تلقي الاتهامات ضد أفغانستان، كما أقدمت القوات الباكستانية مراتٍ عديدة بقصف الأراضي الأفغانية وقتلت أطفالًا ونساءً أبرياء تحت مزاعم أنها تتبع جماعات معارضة مناوئة لها.

 

وخلال الغزو الأمريكي لأفغانستان، وضعت ‎باكستان كافة إمكانياتها ومطاراتها وأراضيها في خدمة الغزاة المحتلين من أول يوم لهذا الغزو الغاشم حتى آخر نفس للأمريكان على أرض الأفغان، ولجأ الأمريكيّون وحلفاؤهم إلى استخدام تلك القواعد والمطارات ضد الشعب الأفغاني، مثل قاعدة جاكوب آباد الباكستانية التي استخدمتها القوات الأمريكية وحلفاؤها الغربيون لقتل الأفغان الأبرياء وتشريدهم وتدمير بيوتهم وقراهم ومساجدهم وإحداث الفوضى في عموم أفغانستان لمدة 20 عاما، كما أن الجانب الباكستاني وضع عراقيل أمام حركة التجارة الأفغانية وخلق مشاكل لرجال الأعمال الأفغان عبر معبري طورخم وسبين بولدك ومعابر أخرى في البلاد على امتداد خط ديوراند الافتراضي، ولا تزال بعض هذه العوائق تعرقل مسار التجارة الأفغانية وحركة العبور وغيرها.

 

كما أن السلطات الباكستانية ضيقت الخناق على المهاجرين الأفغان الذين يسكنون في باكستان وقامت بمضايقتهم وسجنهم ومصادرة ممتلكاتهم في مناطق عديدة وهي حتى اللحظة تواصل قمع المهاجرين الذين يمتلكون أوراقا قانونية للبقاء في باكستان، والأسوء من ذلك أنها نفذت عملية ترحيل قسري واسعة للمهاجرين خلال فصل الشتاء للعام الماضي وأعادت نحو نصف مليون مهاجر أفغاني إلى أفغانستان قسرا، وهناك بوادر بأن باكستان تريد تكرار نفس الخطأ هذا العام مع حلول فصل الشتاء وتهدد.

 

ولم تكتف السلطات العسكرية في هذا البلد بهذه الضغوط والتصرفات، وشرعت في توجيه اتهامات مفادها أن الأراضي الأفغانية يستخدمها مسلحون مناوئون ومعارضون لباكستان، لكن الواقع ما رآه العالم برمته خلال الأيام الأخيرة حيث استهدف الجيش الباكستاني بطائراته مدنيين وأبرياء معظمهم أطفال ونساء ثم ادعى أنه قتل عناصر من حركة طالبان باكستان.

 

الجماعات المسلحة التي تقاتل ضد الجيش الباكستاني تتمركز في باكستان وتواصل تنفيذ عملياتها في عمق الأراضي الباكستانية بعيدة عن الأراضي الأفغانية إلا أن الجيش الباكستاني يستهدف المدنيين بمن فيهم الأطفال والنساء داخل أفغانستان، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يصر الجيش الباكستاني على مثل هذه الادعاءات والاتهامات التي لا تصح ولا يترك الشعب الأفغاني يعيش بسلام، وماذا ستجني باكستان من استهداف المدنيين والأبرياء واستخدام القوة ضد أفغانستان؟!

 

بدلاً من أن تسعى الحكومة الباكستانية إلى خلق بيئة من السلام والتعاون بين دول المنطقة، فإنها تدعم الجماعات المجرمة مثل داعش ونظيراتها وتوفر لها المأوى ومراكز التدريب والمخابئ، وهذا التصرف اللامسؤول من قبل الحكومة الباكستانية مصدر قلق شديد للجميع بما فيها دول المنطقة، حيث يشكل تهديداً كبيراً للسلام العالمي والإقليمي، وعلى العالم أن يضغط على الحكومة الباكستانية لتكف عن دعم هذه الجماعة المجرمة، وأن السياسات الفاشلة للحكومة الباكستانية التي أثارت موجة عدم الاستقرار في المنطقة يجب أن تخضع لتحقيق جاد من قبل المجتمعين الإقليمي والدولي.

 

كما يترتب على الجيش الباكستاني أن يتبنى سياسة أخرى صحيحة بدلا من هذه السياسة الخاطئة التي تستهدف أمن الشعب الأفغاني وتزعزع استقرارهم، فقد ولى زمن تنفيذ وتطبيق المشاريع الأجنبية المشبوهة هنا، وعلى الجيش الباكستاني أن يعيد النظر في المسار الخاطئ الذي سلكه؛ لأن المضي في هذا المسار لا يصب في مصلحته ولا مصلحة غيره.

 

إن ما يجري في باكستان يتعلق بهم ولا ينبغي أن تحمل غيرها لا سيما دول الجوار مسؤولية فشلها الأمني ومن غير المنطقي أن تلقي باكستان اللوم على الآخرين بشأن قضاياها الداخلية.

 

وقد طالبت الحكومة الأفغانية نظيرتها الباكستانية والشعب في باكستان بمنع مثل هذه السياسات الخاطئة والتصرفات المتهورة للجيش لئلا تتدهور العلاقات بين بلدين تربطهما رابطة دين وجوار؛ لأن مثل هذه الأعمال والحوادث ستؤدي إلى عواقب وخيمة للغاية لن يكون بمقدور باكستان التغلب عليها.

 

إن أبناء هذا الشعب العظيم ركّعوا -بفضل الله- أعتى القوى الاستعمارية واحدة تلو الأخرى خلال مائة عام، وأرغموا أنفها في التراب، وطردوها من أرضهم ولا داعي لاختبار صبرهم وتكرار التجارب الفاشلة ضدهم.

 

إن هذه الأرض يحكمها الآن أصحابها ورجالها الأوفياء الذين بذلوا الغالي والنفيس لتحريرها وإقامة شرع الله، ولا زالوا على العهد في الدفاع عن دينهم ووطنهم وقطع كل يد تعتدي على أرضهم وكما أخذ الجيش الأفغاني الباسل ثأر المظلومين الذين ارتقوا خلال هذه الهجمات الغادرة واستهدف مراكز عسكرية باكستانية ومخابئ لداعش على الجانب الآخر من خط “ديوراند” الافتراضي كرد على القصف الباكستاني وكخطوة استباقية لاستئصال جذور داعش، سيرد هكذا على كل معتد ومحتل بإذن الله.

 

ولله الحمد هذه الأرض يحرسها حماتها وأبناؤها الأوفياء، وبدلا من تبادل الاتهامات بين الدول، يتعين على كل دولة أن تعمل من أجل تأمين أرضها والاضطلاع بمسؤ

وليتها بدل إلقاء اللوم على الآخرين.