من المواجهة إلى التعاون؛ روسيا والإمارة الإسلامية!

وتدرك روسيا الآن أن الإمارة الإسلامية هي القوة الأكثر نفوذًا وتأثيرًا في أفغانستان، وهي تتعامل بجدية مع التحديات الأمنية في المنطقة، خصوصًا في ظل التهديد المتصاعد من تنظيم ‎داعش، الذي بات مصدر قلق مشترك، ومما يعزز هذا التوجه، ما صرّح به المبعوث الروسي الخاص إلى أفغانستان، ضمير كابولوف، حين قال: “طالبان اليوم تقاتل في أفغانستان ذات الجماعات التي قاتلناها في سوريا، وهذا ما يجعل مصالحنا متلاقية”.

‎ بقلم: حمزة إلياس

 

في خطوة لافتة، أصدرت المحكمة العليا الروسية قرارًا بإزالة الإمارة الإسلامية في ‎أفغانستان من قائمة الجماعات المحظورة، مؤكدًة على أهمية التعامل والتواصل مع هذه الحكومة، ويُعدّ هذا التحوّل موقفًا عقلانيًا يعكس إدراك ‎روسيا للوقائع الجديدة، وهو مبني على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

 

ورغم أن روسيا لا تتشارك حدودًا مباشرة مع أفغانستان، فإن ترابط الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة يجعل من أي تحول داخل أفغانستان له تأثير مباشر على ‎موسكو، فأفغانستان المستقرة لا تخدم فقط مصالح المنطقة، بل تصب كذلك في مصلحة الأمن القومي الروسي، وهو ما يفسر تخصيص موسكو موقعًا خاصًا لأفغانستان ضمن سياستها الخارجية واهتماما بالغا لها في هذا الإطار.

 

قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، لم تكن روسيا تملك علاقات مع الإمارة الإسلامية، بل كانت تقف على النقيض منها، وشاركت لاحقًا بشكل فعّال إلى جانب التحالف الدولي الذي شنّ حملة عسكرية ضد الإمارة الإسلامية.

 

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أوائل من دعموا هذا التحرك، إلا أن إخفاقات هذا التحالف غيّرت من الرؤية الروسية، وأجبرت موسكو على إعادة تقييم مواقفها، ما أدى إلى انفتاح جديد مع الإمارة الإسلامية واعتماد نهج سياسي مغاير.

 

الرؤية السياسية الروسية تجاه الإمارة الإسلامية؛

 

في السابق، كانت موسكو تنظر إلى أفغانستان على أنها دولة ممزقة إثنيًا، غارقة في الحروب الأهلية المستمرة، ما دفعها للرهان على المجموعات الشمالية بهدف منع تهريب ‎المخدرات وصدّ الهجمات الإرهابية عن الدول المجاورة، غير أن فشل التحالف الدولي، وتزايد المخاطر، غيّر من هذه الحسابات.

 

اليوم، أضحت روسيا ترى أن قيام حكومة مركزية قوية وموحدة في أفغانستان هو السبيل الأمثل لاستقرار هذا البلد، وتحريره من آفة المخدرات والحروب، ما يخدم مصالحها ومصالح المنطقة، وقد دفعت هذه القناعة موسكو إلى الانفصال عن التحالف الدولي، وفتح قنوات مباشرة مع الإمارة الإسلامية، بل وتعديل مقاربتها السياسية من الأساس.

 

وتدرك روسيا الآن أن الإمارة الإسلامية هي القوة الأكثر نفوذًا وتأثيرًا في أفغانستان، وهي تتعامل بجدية مع التحديات الأمنية في المنطقة، خصوصًا في ظل التهديد المتصاعد من تنظيم ‎داعش، الذي بات مصدر قلق مشترك، ومما يعزز هذا التوجه، ما صرّح به المبعوث الروسي الخاص إلى أفغانستان، ضمير كابولوف، حين قال: “طالبان اليوم تقاتل في أفغانستان ذات الجماعات التي قاتلناها في سوريا، وهذا ما يجعل مصالحنا متلاقية”.

 

أهداف روسيا من علاقتها مع الإمارة الإسلامية؛

 

إن التحوّل من المواجهة إلى التعاون لم يأتِ عبثًا، بل كان نتيجة لفهم عميق للواقع الأفغاني، حيث باتت روسيا تعتبر أن استقرار أفغانستان مرهون بوجود حكومة قوية وموحدة، الموقع الجيوسياسي لأفغانستان، الذي يربط روسيا عبر ‎آسيا الوسطى بجنوب آسيا، يجعل منها منطقة حيوية للمصالح الروسية، سواء من الناحية الأمنية أو الاقتصادية.

 

ومن خلال استقرار الأوضاع في هذا البلد، بإمكان روسيا تأمين حدودها الجنوبية، وفتح ممرات تجارية جديدة تربط آسيا الوسطى بالجنوب، وتمنع تهريب المخدرات الذي طالما كان مصدر تهديد لمجتمعاتها، أما في حال تدهورت الأوضاع، فإن المصالح الروسية ستكون مهددة على كافة الأصعدة.

 

ختاما يمكننا القول إن هذه العوامل مجتمعة، دفعت موسكو إلى إعادة رسم سياستها تجاه أفغانستان، والتحوّل من العزلة والمجابهة إلى الحوار والانفتاح، في خطوة تُعد من أبرز تحولات السياسة الخارجية الروسية في السنوات الأخيرة، وعلى الإمارة الإسلامية أن تستغل هذه الفرصة لتعزيز علاقاتها الإقليمية والدولية، وكسب اعتراف عالمي، والانخراط في الاقتصاد العالمي، بما يمهد لها طريق الشراكة الفعالة في المحافل السياسية والاقتصادية الكبرى.