اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
وهنيئاً لكم أن اصطفاكم الله -دون خلائقه أجمعين- لهذه المعركة الكبرى، لتكونوا من فرسانها، ومن حَمَلة لوائها الذي سيظل مرفوعاً -بإذن الله العزيز- إلى أن يعلو قبتي الرصاص والذهب في القدس (قبة الجامع القِبْلي وقبة الصخرة)، بعد تطهيرها من دنس المحتلين الصهاينة، لتعود نداءات التكبير والتهليل تتردّد بعزة وشموخ في مآذنها وآفاقها. وحسبكم شرفاً ومجداً أن موسى هذه القصة؛ قصة غزة وبيت المقدس وفلسطين كلها؛ سيكونُ قائد زحفكم الآتي، ورائد جحافلكم التي ستُحيل الأرض من تحت أقدام بني صهيون جحيماً وناراً تُنهي شرورهم وتُطهر الأرض الم
باركة من رجسهم وتثأر لكل المظلومين من طغيانهم وإفسادهم.
إن في أحداث الأزمان والأمم الغابرة لأبلغ عِظة وأفصح عبرة للمعتبرين من المارّين عليها والمتلمّسين فيها الدروس والمواعظ. ويالسعادة من اتعظ بها! ويالشقاوة من اتعظ به غيره! وإن من دروس التاريخ الكبرى وعِبَرهِ العُظمى ما جاء ذكره في كتاب الله الكريم من قصة نبيه موسى -عليه السلام- مع الطاغية المفسد فرعون. إذ علا هذا الطاغية في الأرض وتجبّر وأفسد حياة طائفة من رعاياه؛ وهم بنو إسرائيل، فأهلك حرثهم ونسلهم وقتّل أبناءهم واستحيا نساءهم وسامهم العذاب والخسف والقهر. ولشدة رعبه وهلعه مما سمعه -ذات يومٍ- من أحد كُهّانهِ بأن زوال ملكه وفناء هيلمانه سيكون على يد مولود يُولد في بني إسرائيل؛ كان يُذبّح مواليد بني إسرائيل الذكور، بينما يستبقي على إناثهم لخدمته.
واستمرّ هذا القهر ببني إسرائيل، حتى جاء إلى دنياهم موسى -عليه السلام-، منقذاً لهم من بطش فرعون وملئه، وداعياً إلى إخلاص العبادة لله وحده دون سواه.
وإنه لمن عجائب أقدار الله الجارية في دنيا البشر؛ أن موسى -عليه السلام- حين جاء، لم يَجِئ غريباً عن البيئة المُشبّعة بالذلة والقهر من جانب، وبالظلم والبطش من الجانب الآخر؛ بل لقد ترعرع ويفَعَ وشبّ في البلاط الملكي، إلى القرب من الطاغية المفسد الحريص على قتل الفتى القادم من رحم الغيب، ذلك الذي سيكون نقطة النهاية لقصة تجبّره وعجرفته وعلوّه في الأرض، ولكنه -أي فرعون- لم يعلم أن الفتى المحذور المُتّقى؛ كان قريباً جداً منه، قريباً للغاية، قريباً للدرجة التي لم يَرَ فيها أن ما يخشاه ويحترِز منه؛ كان يعيش أمام ناظريه، معه في عقر قصره، وفي قلب قلعته التي حصّنها من ذلك الآتي المرهوب!
حتى كان ما أراده الله وما يحذره فرعون؛ في أن يلتقي الحق المتين والباطل الهزيل وجهاً لوجه في معركة وجودية فاصلة، فيتهاوى الباطل الواهن ويتهشّم أمام الحق المكين. لقد هلك فرعونُ غرقاً في مياه البحر ذاتها التي احتضنت -بحنان وشفقة- موسى -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين. هلك الطاغية المستبدّ المتألّه، بعد طول بغي وإفساد في الأرض، وتحطّم ملكه وزال سلطانه مع تحطّم جدران الخوفِ والرهبة منه في قلوب العباد.
وما أشبه اليوم بالبارحة!
فهاهو فرعون العصر الحديث؛ الكيان الصهيوني المحتل السفاح، يقتفي أثر أبيه الروحي؛ فرعون الهالك، ويحذو حذوه؛ بعدوانه الجبان ومجازره وإباداته الدموية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعموم فلسطين، وسط تخاذل وصمت مخزٍ من المحيط العربي الأقرب والإسلامي الأبعد! وبالمقابل؛ وسط دعم لا محدود، وتأييد غير منقطع، وتغذية بالتقنية والسلاح والمال، من دول الغرب وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا.
يبذلون غاية الجهد -بكل ما أُوتوا من جبن وخسة- في إبادة شعب يحاصرونه أصلاً منذ عقدين من الزمن؛ في إهلاك شعب بأطفاله ونسائه وشيوخه ورجاله، وهم (الصهاينة) متكدّسون -هلعاً- داخل الدبابات والمدرّعات أو متوارون في جوف الطائرات الحربية أو محتجِبون وراء جُدُر وشاشات الطائرات بدون طيار، مصداقاً لقول الله تعالى فيهم: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ﴾. فلا يجرؤ الواحد في هؤلاء المحشوّين بأحدث الأسلحة والمعدات العسكرية الفتّاكة على مواجهة أصغر مجاهد من مجاهدي غزة مقاتلاً لمقاتل، بل إن مبلغ شجاعتهم وغاية بسالتهم لا يراها المرء إلا في حالتين: الأولى: حينما يكونون في مأمن من المواجهة المباشرة مع المجاهدين؛ كما هو الحال في الغارات الجويّة التي يشنونها على المنازل والمدارس والمساجد والأسواق والمستشفيات ومراكز إيواء النازحين؛ ولذلك كثيراً ما نشاهد على الشاشات الإخبارية أخبار المجازر والمذابح الجماعية التي تقترفها أيديهم -تبّت وقصّها الله-، والتي كان آخرها “مذبحة الفجر” التي ارتقى فيها أكثر من 100 شهيد خلال أدائهم لصلاة الفجر في مدرسة “التابعين” بحي الدرج!
أما الحالة الثانية التي يستأسد فيها هؤلاء الخوّارون؛ فتتبدّى حينما يكون الذي أمامهم عاجزاً عن مقاومتهم بينما تمتلئ أيديهم بكل سلاح، كأن يكون الذي أمامهم جريحاً أو أسيراً أو من ذوي الاحتياجات الخاصة أو شيخاً طاعناً في السن أو طفلاً صغيراً أو جسداً ميّتاً في القبر!! والشواهد على هذا أكثر من أن تُحصى، فكم ذا نقلت لنا وسائل الإعلام والشهود العيان والناجون من وقائع عن إجهازهم على الجرحى عند اقتحامهم لمستشفى “الشفاء”، أو عن قتلهم عدداً من الأسرى بتعذيبهم والتنكيل بهم، أو عن قتل الشيوخ والأطفال والنساء إما في منازلهم أو عند نزوحهم عنها، بعد أن أفرغوا العائلات من رجالها وشبابها، بل وعن انتهاك حرمة المقابر ونبش القبور، كما فعلوا مؤخراً في مقبرة خان يونس.
وفي غير هاتين الحالتين، فلن تسمع من هؤلاء الخاوين سوى صراخ الرعب والعويل خوفاً عند الاشتباك المباشر مع المجاهدين، ولن ترى منهم سوى الأدبارَ يُولُونها عند الإلتقاء وجهاً لوجه بأبطال المقاومة الفلسطينية. وأحداث يوم السابع من أكتوبر الفدائية خير شاهد عيان على ذلك كله.
يرى هذا الكيان العربيد أنه خارج حسابات الزمن وفي منأى عن سنن الكون! فهو يضرب هنا، ويهجم هناك، ينتهك سيادة هذه الدولة، ويخترق أجواء تلك! وكأنه يملك كرت ضمان أبدي على صمت الشعوب وعدم إفاقتها من غفوتها واستمرارها في توانيها عن ردعه أو زجره! وكأنه في موثِق مع الحياة على أن لا يخرج له “موسى” من تحت أنقاض آلاف المنازل والمستشفيات والمدارس ومآذن المساجد، من عمق اليمّ الأحمر المصبوغ بدماء عشرات الآلاف من أهالي غزة التي سفحتها أيديهم الآثمة؛ ليُعيد للأرض دورانها، ولكفتي الميزان اتزانها؛ ليضرب بعصا حقه الأصيل كيان باطلهم الدخيل؛ ضربة تفلّ حديدهم وتكسر شوكتهم وتصرع استكبارهم فلا تبقي منهم ولا تذر.
إن الأحداث المفصلية العظمى والتغييرات الجذرية في تاريخ الشعوب والأمم، إنما نَمَت من تربة الألم ونضجت على أوار المحنة والابتلاءات. والتغير الجذري في تاريخ النضال الفلسطيني – بإذن الله العزيز- قادمٌ لا محالة، لصالح هذا الشعب المقاوم البطل الذي حفر في صخور أرضه، عبر السنين، في سبيل جهاد الصهاينة المحتلين برغم أجهزتهم وعيونهم التي تترصّده وتحاصره براً وبحراً وجوّاً. وإن اشتداد الظلم والظلام لمؤْذِن بدنوّ الفرَج وإشراقة الفجر الصادق، رغم أنوف المعتدين ومن آزرهم.
ولا تغيير جذري مأمول إلا بالجهاد وبالمدافعة وبالمكافحة، وهي اللغة الوحيدة التي يفهمها السفاح، بشع الباطن والظاهر، الذي يقتات ويتغذى على قتل الأطفال وتقطيع أجسادهم ونبش قبورهم وقبور آبائهم وأجدادهم!
ومقارعتهم واجب يقع على عاتق الأمة الإسلامية جمعاء، وليس على عاتق الشعب الفلسطيني وحده -خاصة مع عدم قدرته وحده على ردّ عدوانهم-، فمن غير المعقول أن يقاتلوننا مجتمعين؛ كيانهم الغاصب الذي غرسوه في قلب العالم الإسلامي ومعه دول الغرب بأسلحتها ودعمها السياسي والاقتصادي والعسكري، ثم نكتفي نحن المسلمون بأن تقاتلهم فئة من فئة من فئة منا!
أما الفئة من الفئة من الفئة التي تقاتلهم منّا؛ فأُذكّرهم بقول رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ – أي أذى – حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: (بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ).
فاصبروا، وصابروا، وضمّدوا جراحكم ببلسمٍ من الآي الحكيم. وكونوا على يقين أنكم -كما تألمون- فبنوا صهيون في ألمٍ أيضاً، ولكنهم لا يرجون ما ترجون من الأجر والثواب وعظيم المنزلة وما خبّأه الله من النعيم لعباده المؤمنين الصابرين المجاهدين.
أنتم الأعلون، وهم الأسافل. أنتم الأعزة، وهم الأذلة. أنتم الحق الأصيل، وهم الباطل الطارئ. أنتم جنود الرحمن، وهم جند الشيطان.
أنت القويُّ فقد حملت عقيدة *** أما سواك فحاملوا أسفارِ
يتعلّقون بهذه الدنيا وقد *** طُبعت على الإيراد والإصدار
دنياً وباعوا دونها العليا *** فبئس المشتري، ولبئس بيع الشاري
ويؤمّلون بها الثبات فبئسما *** قد أمّلوا في كوكب دوارِ
أنت القويُّ فقل لهم لن أنثني *** عما نويتُ وشافعي إصراري
لن أنثني فإذا قُتِلتُ فإنني
حي لدى ربي مع الأبرارِ
وإذا سُجِنت فإنما تتطهر *** الزنزانة السوداء في أفكاري
وإذا نُفيت عن الديارِ فأينما *** يمضي البرِيّ فثمّ وجهُ الباري
دیدگاه بسته شده است.