يوم هرب الصهاينة النصارى

لكن قيادات الإمارة وأبطالها ثبتوا وصمدوا ولم يهِنوا ولم يحزنوا ولم يستسلموا للواقع إلى أن صارتْ لهم اليد العليا في المعارك، وتيقن الصهاينة النصارى أن أفغانستان ليست بلحم يؤكل، وأنّ طالبان حركة لها حاضنة شعبية في مناطق قبائلية واسعة، والانتصارُ عليها حلمٌ بعيد المنال، وأنها ليست حركةٌ تموت برحيل قادتها، کما أنها حركة عنيدة لا تعرف لغة الاستسلام، فبدأت تطلب التفاوض كمخرجٍ من الحفرة التي حفروها بأيديهم بعد أنْ رفضوه مرارا متجبّرين مستكبرين.

 

الصهيونية النصرانية وكذلك الصهيونية اليهودية تتفقان في عصرنا في دعم الوطن القومي لليهود وفي احتلال العالم الإسلامي، وفي الإجرام والإفساد في الأرض.

في الوقت الذي كان الصهاينة اليهود مشتغلين في الإجرام والإفساد في الأراضي المقدسة بعد احتلالها؛ كان الصهاينة النصارى مشتغلين بالمؤامرات ضد سائر البلاد الإسلامية بالثورات مرّة وبالإنقلابات مرة أخرى، وبالاحتلال الغاشم إذا عجزوا عن الأولين.

لا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة دولة نصرانية متطرفة تتلبّس بلباس الديموقراطية كذباً وخداعاً وتزويراً للعالم، يقودها مجموعة من القادة المتطرفين ممن يُسمّون بالصهاينة النصارى أو الإنجليون الجدد، وهؤلاء يتفقون مع اليهود في رؤيتهم بأن قيام دولة إسرائيل عام 1948 كان ضرورة حتمية لأنها تتمم نبؤات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وتشكل المقدمة لمجيء المسيح الثاني إلى الأرض كملكٍ منتصر، وهي بذلك تدعم قيام دولة إسرائيل في فلسطين أيضاً، لكنها تنظر في استخدام هذه العودة لليهود إلى أرض فلسطين كمقدمة للمجيء الثاني للمسيح ونهاية الأزمنة، عندما يفنى معظم اليهود، وتبقى أقلية منهم بعد تحولها إلى المسيحية.

في العشرين من سبتمر سنة ۲۰۰۱م خطب جورج بوش في الکونغرس الأمريكي، وأعلن بصراحة “أن الولايات المتحدة تطالب حركة طالبان تسليم قادة تنظيم القاعدة للأمريكان، ومنْحنا حق الدخول معسكرات التدريب لنتأكّد أنّها لم تعد صالحة للاستخدام، إن هذه المطالب غير قابلة للتفاوض أو المناقشة”.

في ذلك الوقت أعلنتْ قيادات الإمارة الإسلامية أنها لا تريد القتال، وأنها مستعدّة للتفاوض، لكن صوت الحقد النصراني كان عاليًا جدًّا وطائرات الانتقام كانت جاهزة، فأسرع بوش في إعلان الحرب، وأعلنها حربا صليبية، وكان بوش الإبن من النصارى الصهاينة والإنجليين الجدد الذي يرتاد الكنيسة، وأن إعلانه حرباً صليبية كان شيئاً قليلاً مما كان يخفيه صدره من خرافات ومعتقدات نصرانية وحقد دفين تجاه الأمة المسلمة.

بعد احتلال أفغانستان سارع الصهاينة النصارى إلى احتلال العراق وفرحوا أنهم قضوا على الإسلام والمسلمين في عواصم الشرق الأوسط.

رغم ما قيل و يقال عن الأهداف السياسية والاقتصادية لهذه الحرب الصهيونية على أفغانستان والعراق، لا يمكن لنا أن نغض الطرف عن المحرك والدافع الأصلي لها وهي العقيدة الصهيونية، فكان الاحتلال صهيونياً خالصاً، والحرب صهيونية، والمقاصد والأهداف صهيونية.

لكن قيادات الإمارة وأبطالها ثبتوا وصمدوا ولم يهِنوا ولم يحزنوا ولم يستسلموا للواقع إلى أن صارتْ لهم اليد العليا في المعارك، وتيقن الصهاينة النصارى أن أفغانستان ليست بلحم يؤكل، وأنّ طالبان حركة لها حاضنة شعبية في مناطق قبائلية واسعة، والانتصارُ عليها حلمٌ بعيد المنال، وأنها ليست حركةٌ تموت برحيل قادتها، کما أنها حركة عنيدة لا تعرف لغة الاستسلام، فبدأت تطلب التفاوض كمخرجٍ من الحفرة التي حفروها بأيديهم بعد أنْ رفضوه مرارا متجبّرين مستكبرين.

علی كل حال، سُمع بعد أكثر من تسعة عشر سنة صوتُ التفاوض الذي غيّبته طائرات الانتقام والاحتلال والخرافات الصهيونية وغطرسة القوة، والذين رفضوا التفاوض مرّتين، والذين أعلنوا احتلال بلد مستقلٍ وهم يصرخون: «إما معنا أو مع الإرهابيين»، جلسوا ليوقّعوا هزيمتهم بأيديهم، ولو لم يوقّعوا لكان عليهم أن يوقّعوه في يوم آخر في ظروف أصعب وأشرس وأنكی.

 

والآن بهذا العام تمر ثلاثة أعوام على العودة الثانية للإمارة الإسلامية وتوليها الحكم في أفغانستان، تمضي ثلاثة أعوام على يوم هروب الصهاينة النصارى من أفغانستان، بعد أن خابوا وفشلوا في تحقيق أهدافهما، تمضي ثلاثة أعوام على انتصار المجاهدين في أفغانستان وقدرتهم على كسر أحد ركني الصهاينة في العالم، وأقواهما وأشدهما، وهو الصهاينة النصارى.

 

أما الركن الآخر للصهاينة وهو أضعفهما وأجبنهما والذي له صولات وجولات وهجمات وغارات وجرائم هذه الأيام، هم الصهاينة اليهود، فهؤلاء يهجمون على اليمن مرة ويدمرون ويفسدون، ويهجمون على لبنان مرة، ومرة يغتالون أميراً من أمراء الجهاد في بلد آخر.

 

إن الصهاينة اليهود يا أبطال غزة! ليسوا بأقوى ولا أشد من الصهاينة النصارى، وإن الأمة التي هزمت الصهاينة النصارى، وأذلتهم في أفغانستان بصمودها وثباتها وبأبسط الإمكانيات والأسلحة والعتاد، لقادرة على أن تهزم الصهاينة اليهود وتفنيهم في الأراضي المقدسة المحتلة وتعيد القدس والأقصى إلى المسلمين بصبرها وصمودها ورباطها وثباتها وجهادها وقتالها.

 

وما ذلك على الله بعزيز.