أعلام بلاد الأفغان: الإمام الخطابي البستي رحمه الله

الکاتب: أبوسعيد راشد هو الإمام العلامة الحافظ اللغوي الأديب الرحال المحدث المفسر أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي، ولد في مدينة بُسْت (لشكر كاه، هلمند) سنة بضع عشرة وثلاث مائة، صاحب التصانيف الكثيرة الممتعة، قال عنه الحافظ أبو طاهر السِّلَفي فيما رواه عنه الذهبي في السير: وأما أبو سليمان الشارح لكتاب أبي داود، فإذا […]

الکاتب: أبوسعيد راشد

هو الإمام العلامة الحافظ اللغوي الأديب الرحال المحدث المفسر أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي، ولد في مدينة بُسْت (لشكر كاه، هلمند) سنة بضع عشرة وثلاث مائة، صاحب التصانيف الكثيرة الممتعة، قال عنه الحافظ أبو طاهر السِّلَفي فيما رواه عنه الذهبي في السير: وأما أبو سليمان الشارح لكتاب أبي داود، فإذا وقف منصف على مصنفاته، واطلع على بديع تصرفاته في مؤلفاته، تحقق إمامته وديانته فيما يورده وأمانته، وكان قد رحل في الحديث وقراءة العلوم، وطوف، ثم ألف في فنون من العلم، وصنف، وفي شيوخه كثرة، وكذلك في تصانيفه.

وإليكم زبدة ترجمته وزهرة أحواله، وخيرة أقواله:

 

اسمه ونسبه ووطنه:

– الذهبي (سير أعلام النبلاء: 23/ 16): الإمام، العلامة، الحافظ، اللغوي، أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي، الخطابي، صاحب التصانيف. ولد سنة بضع عشرة وثلاث مائة.

– الذهبي (تاريخ الإسلام:27/ 165): الفقيه الأديب. وقد سماه أبو منصور الثعالبي في كتاب اليتيمة: أبا سليمان أحمد بن محمد، والصواب حمد كما قاله الجم الغفير. ويقال إنه من ولد زيد ين الخطاب بن نفيل العدوي، ولم يثبت.

– ابن العماد (شذرات الذهب: 3/127): حمد بن إبراهيم بن خطاب الخطابي الشافعي البستي بضم الموحدة وسكون السين المهملة وبالفوقية: نسبة إلى بست مدينة من بلاد كابل، كان أحد أوعية العلم في زمانه، حافظاً فقيهاً مبرزاً على أقرانه. وسئل عن اسمه: أحمد أو حمد؟ فقال: سميت بحمد، وكتب الناس أحمد، فتركته.

– ابن كثير (البداية والنهاية:12 /394): الخطابي أبو سليمان حمد ويقال أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي البستي، أحد المشاهير الأعيان، والفقهاء المجتهدين المكثرين، له من المصنفات معالم السنن وشرح البخاري، وغير ذلك.وله شعر حسن.

– الزركلي (الأعلام:2/272، 273): حمد بن محمد بن إبراهيم ابن الخطاب البستي، أبو سليمان(319 – 388 هـ = 931 – 998 م): فقيه محدث، من أهل بست (من بلاد كابل) من نسل زيد بن الخطاب (أخي عمر بن الخطاب) .

– الذهبي (ذ:3/349، 350): الخطابي الإمام العلامة المفيد المحدث الرحال، وكان ثقة متثبتًا من أوعية العلم.

 

شيوخه:

الذهبي: سمع: 1 – أبا سعيد بن الأعرابي بمكة، 2 – أبا بكر بن داسة بالبصرة، 3 – إسماعيل الصفار ببغداد، 4 – أبا العباس الأصم بنيسابور وطبقتهم.

وقد أخذ اللغةَ عن: 5- أبي عمر الزاهد. والفقهَ (على مذهب الشافعي) عن 6- أبي علي بن أبي هريرة، 7- وأبي بكر القفال الشاشي وغيرهما.

 

تلامذته:

الذهبي: حدّث عنه :1- أبو عبد الله الحاكم – وهو من أقرانه في السن والسند -، 2- والإمام أبو حامد الإسفراييني، 3-وأبو عمرو محمد بن عبد الله الرزجاهي، 4- والعلامة أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي، 5- وأبو مسعود الحسين بن محمد الكرابيسي، 6- وأبو ذر عبد بن أحمد، 7-وأبو نصر محمد بن أحمد البلخي الغزنوي، 8- وجعفر بن محمد بن علي المروذي المجاور، 10- وأبو بكر محمد بن الحسين الغزنوي المقرئ، 11-وعلي بن الحسين السجزي الفقيه، 12-ومحمد بن علي بن عبد الملك الفارسي الفسوي، 13- وأبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي، وطائفة سواهم.

 

موضع إقامته:

الذهبي: (يقول الخطابي) :

وما غربة الإنسان في شقة النوى       ولكنها والله في عدم الشكل

وإني غريب بين بست وأهلها                    وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي

وأقام (أيضا) بنيسابور مدة يصنف ويفيد.

أبوبكر محمد بن عبدالغني البغدادي (التقييد لمعرفة السنن والمسانيد: 1/254): قال الحاكم أبو عبد الله: أقام عندنا بنيسابور سنين، وحدث بها، وكثرت الفوائد من علومه.

 

شعره:

الذهبي: ولأبي سليمان مقطوعات من الشعر في كتاب اليتيمة للثعالبي، منها:

وما غربة الإنسان في شقة النوى       ولكنها والله في عدم الشكل

وإني غريب بين بست وأهلها                    وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي

وله:

فسامح ولا تستوفِ حَقَّكَ كَلَّهُ        وأَبْقِ فلم يَسْتَوْفِ قَطُّ كَرِيْمٌ

ولا تَغْلُ في شيء من الأمر واقتصد     كلا طرفي قصد الأمور سليم

قوله: ولا تغل: من الغُلُوِّ.

ابن العماد: ومن شعره:

ما دمتَ حيا فَدارِ الناس كلَّهم                  فإنما أنت في دار الْمداراة

ولا تعلق بغير الله في نُوَبٍ             إن المهيمن كافيك المهماتِ

نُوَبٌ: جمع نائبة: النازلة والمصيبة.

وزاد ابن كثير بعد هذا:

من يدر دارى ومن لم يدر سوف يرى            عما قليل نديما للندامات

 

وفاته:

البغدادي (التقييد لمعرفة السنن والمسانيد: 1/254): قال الحافظ عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن الأخوة البغدادي نزيل أصبهان: نقلت من خط أبي محمد السهمي توفي أبو سليمان الخطابي ببست سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. وقال أبو يعقوب إسحاق بن الفرات: سمعت المظفر بن طاهر البستي يقول: توفي الشيخ الإمام أبو سليمان الخطابي ببست في ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة.

الزركلي: وله شعر أورد منه الثعالبي في (اليتيمة) نتفا جيدة، وكان صديقا له. توفي في بست (في رباط على شاطئ هيرمند) .

 

تصانيفه:

1 – معالم السنن، وهو شرح لسنن أبي داود، وهو أول تصنيف في شرح الحديث. مطبوع في مجلدين، ومحققا في أربع مجلدات من عدة مطابع.

2 – (شرح) أسماء الله الحسنى.

3 – الغنية عن الكلام وأهله. وفيه أصول الدين، مطبوع من دار المنهاج. يقول فيه ص 10: لما وردت آمد طبرستان وبلاد جيلان، متوجها إلى بيت الله الحرام، وزيارة مسجد نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الكرام، سألني إخواني في الدين، أن أجمع لهم فصولا في أصول الدين، التي استمسك بها الذين مضوا من أئمة الدين، وعلماء المسلمين، والسلف الصالحين، وهدوا، ودعوا الناس إليها في كل حين، فاستخرت الله تعالى وأثبت في هذا الجزء ما تيسر منها على سبيل الاختصار.

4 – كتاب العزلة، قاله الذهبي. وفيه فوائد العزلة، وأضرار الخلطة، ومن تجالسه ومن لا تجالسه،كتاب نفيس، مطبوع في مجلد، من دار ابن كثير، دمشق بيروت، بتحقيق ياسين محمد السواس.

5 – إصلاح غلط المحدثين. وهو كُتَيِّبٌ نفيس فيه توضيح ما يشكل من ألفاظ الحديث، وإصلاح ما اشتهر على غير صواب من الألفاظ. مطبوع من مؤسسة الرسالة، ودار الكتب العلمية، بيروت.

6 – غريب الحديث، قاله ابن العماد. وهو مطبوع في ثلاث مجلدات، من جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1402 ه بتحقيق عبد الكريم إبراهيم العزباوي.

7 – شرح البخاري، قاله ابن كثير. وغير ذلك. وكتابه شرح البخاري مخطوط باسم (تفسير أحاديث الجامع الصحيح للبخاري) منه نسخة في الرباط (180 أوقاف) كذا في الأعلام للزركلي.

8 – بيان إعجاز القرآن. مطبوع، من دار الصحابة بطنطا.

 

بُست:
يقارن تاريخ مدينة بست، مع تاريخ الإسلام، وهذه المدينة تقع اليوم متصلة بمدينة “لشكركاه”، عند تلاقي نهر هلمند وأرغنداب. ويبدو أن “لشكركاه” وبست، حصتان متصلتان لمدينة واحدة، بست كان سوقا وسكنا لأهل المدينة والتجار ورجال الإدارة، ولشكركاه كان مقرا للجيش والضباط والقادة. إذ معناه: محل الجيش.

وقد كانت بست من المدن المتقدمة في الحضارة والثقافة والإدارة والتجارة والعمران والجيش، لكنها خربت في الفتن والملاحم، ثم جددت في عهد الغزنويين، ثم حرقها علاء الدين جهانسوز، ثم عمرت، وأخيرا، جاءها سيل تيمور لنك فأطفأ فيها كل شعلة للحياة، ومدينة لشكركاه الحالية عمرت في القرن الحاضر، وأكثر سكانها نقلة من بقية مدن أفغانستان، وأما أطرافها فلا زالت مملوءة من تلك الرجال الأجلاد الأصليين.

وأما مدينة بست، فلم يبق منها إلا قلعة حصينة “قلعة بست”، وبقية المدينة خاوية على عروشها، ولا ترى فيها إلا الأطلال ورسوم الديار، لا يعرف من بينها بيت الخطابي وابن حبان ومدفنهما. رحمهم الله.

لكننا نتذكرها كلما قابلنا أعلامها في ذخائر الكتب، ومراكز الثقافة في العالم، ووفاء لأعلامها نحبها ونجدد ذكراها، نكتب تاريخها ونحفظها بالدم والقلم.

قال اليعقوبي (في البلدان: 1/21 ) في تفسير سجستان: ومن هراة إلى بوشنج مرحلة. ومن بوشنج إلى سجستان خمس مراحل، ويقال سبع مراحل في مجابة. وسجستان: بلد جليل، ومدينتها العظمى بست.

الحموي (معجم البلدان: 1/414 – 419 ) في تفسير بست: بست بالضم مدينة بين سجستان وغزنين وهراة، من أعمال كابل، وهي من البلاد الحارة المزاج وهي كبيرة، ويقال لناحيتها اليوم “كرم سير” (ګرم سیر) معناه النواحي الحارة المزاج. وهي كثيرة الأنهار والبساتين. وسئل عنها بعض الفضلاء فقال: هي كتثنيتها يعني بستان.

وقد خرج منها جماعة من أعيان الفضلاء منهم: الخطابي توفي ببست، وأبو الفتح الشاعر، وابن حبان ولد وتوفي ببست وقبره ببست معروف يزار إلى الآن، واسحاق بن إبراهيم القاضي.