الإمارة الإسلامية ومرحلة جديدة من النصر

الحبيبة أفغانستان! أيتها المجاهدة الثابتة الصابرة، تحية ملؤها الوفاء والمحبة، أحمّلها نسائم رمضان إليكِ نيابة عن بنيكِ المترامون اتساعاً في أصقاع الأرض، علّها تبلّغكِ حرّ اشتياقنا لعبق العزة ولعبير الإباء الذي تفوح به أرجاؤكِ وترتديه ذُرى جبالك. لم ننسَ يوماً -ولن ننسى- ذاك النبع الطيب الزاكي المتواصل من نجيع أبنائك البررة الذي شربت منه قممكِ […]

الحبيبة أفغانستان! أيتها المجاهدة الثابتة الصابرة، تحية ملؤها الوفاء والمحبة، أحمّلها نسائم رمضان إليكِ نيابة عن بنيكِ المترامون اتساعاً في أصقاع الأرض، علّها تبلّغكِ حرّ اشتياقنا لعبق العزة ولعبير الإباء الذي تفوح به أرجاؤكِ وترتديه ذُرى جبالك.

لم ننسَ يوماً -ولن ننسى- ذاك النبع الطيب الزاكي المتواصل من نجيع أبنائك البررة الذي شربت منه قممكِ وبطاحكِ حتى ارتوت، يوم أن تداعى الغُزاة المجرمون ودنسوا طهر تربتك، بدءاً بالمجرم الانجليزي، ومروراً بالسفاح السوفييتي، وانتهاءاً بالإرهابي الأمريكي. وإني لأعجب أن عدد سنيّ جهادك يا أرض الأفغان أكثر من عدد سنيّ عمر أحدنا!، حتى خِلتُ أن الجهاد في سبيل الله بالنسبة لكِ أكسجيناً خاصاً أو لربما أنه لازمة من لوازم الحياة ميّزكِ الله بها دون العالمين. كيف لا! والأمم المستضعفة من حولكِ قد خارت واستكانت ودارت في فلك المحتل المباشر أو في فلك المحتل الغير مباشر.

لقد خرجنا لهذه الدنيا، وما كانت أعيننا ترى سوى الظلم والقهر والاستبداد والطغيان الواقع من أمم الكفر وعملائهم علينا، حتى لكدنا نظن أن طبيعة الحياة وناموس الكون أن نكونَ نحنُ في هوان ويكونون هم في علو، أن نكونَ عبيداً لهم ويكونون سادة لنا، وأن الذي يدفعهم بسيفه وسنانه مفسدٌ باغٍ يستحق الويل والثبور وعظائم الأمور من قبل بني جلدتنا -وُكلاء عدونا- وبعض العلماء الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم، وكدنا نظن أن تضحيات الصحابة -رضوان الله عليهم- وبطولاتهم موضعها بطون الكتب للتذاكر والتدارس ليس إلا! وأنه يستحيل أن تتكرر تلك الصور المشرّفة والنماذج المشرقة في واقع الحياة ودنيا المسلمين من جديد لولا أن فتح الله بصرنا وبصائرنا على عجيبة من عجائب الدنيا، وآية من آياته في الكون ألا وهي جهاد الشعب الأفغاني المسلم الذي تكالب عليه أعداء الإسلام من شرقيّ الأرض وغربيّها بغير جريرة سوى أن ارتضى حكومته الإسلامية الفتيّة التي اتخذت من كتاب الله منهجاً ودستوراً. ظل هذا الشعب الأبي الأصيل يجاهد أعداء الإسلام ممثلاً في الإمارة الإسلامية -رعاها الله- منذ اليوم الأول الذي وطأت فيه أقدام أول جندي محتل أرض أفغانستان الإسلامية وحتى ساعة كتابة هذه الحروف، لم يتوقف جهاد الإمارة الإسلامية لحظة واحدة، لا في الليل ولا في النهار، لا في الصيف ولا في الشتاء، طيلة ما يزيد عن الثلاثة عشر عاماً!

وعلى الرغم من المحن والابتلاءات التي مرّت بها الإمارة الإسلامية – والتي لو نزلت على جبال لهدّتها – إلا أنها ما هانت وما لانت وما استكانت، ولم تركن إلى عدو الله يوماً رغم محاولات المكر والاستدراج المستميتة بالترغيب وبالترهيب. لقد وجد العدو أن هزيمة الإمارة الإسلامية عن طريق الخيار العسكري أمر أشبه بالمستحيل إن لم يكن المستحيل بعينه، خاصة وأنه اكتوى بنيران الجهاد الملتهبة، والتي يزداد سعيرها عليه يوماً بعد يوم. وهو -مع ذلك كله- يعلم أن الإمارة الإسلامية قد بنت لها عرشاً في قلب كل مسلم وتربعت فيه سواء أكان داخل أفغانستان أم خارجها، فلم يعد له من سبيل لهزيمتها إلا ببث الأراجيف والشبهات والأكاذيب السخيفة، وإسقاط رموزها وأقمارها من أعين وقلوب المسلمين، حتى يصل الحال بهم إلى أن يتلفّتون حولهم فلا يجدون أميراً حكيماً وقوراً يصلح لقيادة سفينتهم إلى برّ الأمان في هذا العصر المتلاطم بالفتن والمتاهات.

إن إمارة أفغانستان الإسلامية -بفضل الله ومنّه وكرمه- تقف على أعتاب نصر قريب بإذن الله تعالى، ومرحلة النصر هذه مرحلة جديدة كل الجِدّة في حياة الأمة الإسلامية جمعاء خلال العصر الحديث. فإن حال الشعوب المسلمة المستضعفة كحال إخوة متسابقين في مضمار سباق، غير أن الفوز بالنسبة لهم هو لحظة الوصول لنهاية المضمار لا من سبق، والحبيبة أفغانستان كحال المتسابق الذي تقدّم على جميع إخوته ويوشك على الوصول لنهاية المضمار، فمن البديهي أن يمُرّ بمراحل لم يمروا بها إخوته المتأخرين عنه، بينما -في المقابل- من الطبيعي والعادي جداً أن يمرّوا هم بالمراحل التي مرّ بها أخوهم المتقدّم.

والذي أعنيه بهذا المثل: أن مرحلة النصر لها متطلّباتها الخاصة التي تختلف عن متطلّبات المرحلة التي سبقتها، فإن كانت مرحلة ما قبل النصر تتطلّب الجهاد الميداني فقط، فمرحلة النصر تتطلّب العمل السياسي إلى جانب الجهاد الميداني لتحقيق الموازنة الضرورية في هذه المرحلة الجديدة.

والعمل السياسي في حال الإمارة الإسلامية -بشكله هذا، وبمستوى نضوجه هذا- هو العنصر الجديد الذي لم يعهده أي شعب مسلم مجاهد حتى الآن؛ لأن معظم الشعوب الإسلامية المضطهدة لازالت في بدايات جهادها ودفع صولة أعدائها. والعمل السياسي في شريعة الإسلام لا يقلّ أهمية عن الجهاد الميداني، فإسلامنا العظيم جاء كاملاً تاماً شاملاً لكل مناحي الحياة -صغيرها وكبيرها- وهو كلٌ لا يتجزأ، فلا يجوز أن نُخرج “السياسة” عن الدين لنقول: لا سياسة في الإسلام -والعياذ بالله-؛ لأننا حينها سنشابه قول العلمانيين.

العمل السياسي للإمارة الإسلامية -أعزها الله- قائم وسائر على ضوء السياسة الشرعية في الإسلام، ومن ذا يُجادل أو يُماري في شمولية الإسلام العظيم لهذا الجانب الهام في حياة الأمة الإسلامية؟!، لكن النماذج الكثيرة السيئة المتاجرة بمعاناة شعوبها المستضعفة والتي تفاخر بتقديم التنازلات تلو التنازلات مقابل حفنة من الدولارات، جعلت شريحة من المسلمين يظنّون أن أي نشاط سياسي فهو يعني التنازلات وبيع الضمائر والطأطأة للقتلة والمجرمين فقط ولا شيء غير ذلك!. فقد عاشت أجيال وماتت أجيال ولم يروا في حياتهم السياسي المسلم الذي يُعامل الآخرين (كفاراً أو مسلمين) على هدي ما جاء به الإسلام، لم يروا في حياتهم غير قوافل المتنازلين واللاهثين خلف دولارات الأسياد في الغرب!

والإمارة الإسلامية وشعبها الأبي في أفغانستان حالة فريدة في تاريخ الأمة الإسلامية الحديث، فهي إمارة ((إسلامية)) لفظاً وعملاً وحكماً وتطبيقاً.

وبما أن العدو المتربّص -بالطبع- يُدرك جيداً، ويعي متغيرات المرحلة الوليدة، ويرصد ويراقب ويحلل من بعيد، خلص إلى أن يبث من جديد الأكاذيب والترّهات والوساوس في النفوس الضعيفة، ولكن هذه المرة حول “انزلاق” قدم الإمارة الإسلامية وتخليها عن ثوابتها في الكفاح والجهاد وركونها إلى محافل السياسة!

وهو إرجاف سخيف وتافه، تمجّه عقول الأطفال والصغار قبل الكبار. فأي إنسان بسيط ومحدود التفكير يستطيع أن يستنتج أنه لابد من الاتصال بالعالم لإيصال صوت ملايين المستضعفين من الأيتام والأرامل والفقراء والمشردين الذين هُدّمت بيوتهم، وقُتل آباؤهم وأزواجهم وذويهم، وفقدوا أطرافهم وأعمالهم؛ بسبب إصرار الحكومة الأمريكية على سياسة القتل والتدمير في هذا البلد الفقير المُعدم! وللضغط على القاتل الذي يدّعي -كذباً- انتهاء أعمال قتله في البلد، وهو لا زال يمارسها بكل إجرام في حق المدنيين والعزل.

والحق أنه لو كان للإمارة الإسلامية أن تركن للعدو أو أن تتخلى عن مبادئها الإسلامية لركنت عندما أجلب عليها الكفر بخيله ورجله يوم أن اعتدت جيوش 42 دولة غازية بكافة أسلحتها الحديثة على أفغانستان المسلمة. من ذا يصمُد لهول ذلك الموقف الذي يجتمع فيه الفراعنة المتغطرسين بقواهم المادية على حرب دولة بسيطة كأفغنستان إلا من كان مطمئن القلب، ثابت الجنان، قد غمر الإيمان بالله قلبه وروحه وكيانه. وكان في مقدور الإمارة الإسلامية حينها أن تلبّي مطالب الغُزاة المعتدين بتخليها عن مبادئها الإسلامية دون أن تتحمل تبعات الجهاد في سبيل الله الذي يُكلف الروح ويُفقد الأحباب ويُذهب متاع الدنيا!

وإن كنتُ أنسى، فلا أنسى رنين كلمات أمير المؤمنين – قمر الزمان وأمير الرجال – الملا محمد عمر المجاهد حفظه الله ورعاه في بداية الغزو الصليبي على أفغانستان – تلك الأيام العصيبة التي تقطعت لها نياط قلوب عامة المسلمين- يوم أن قال: (أيها المسلمون، اعلموا أن سنة الله تعالى في الكون أنه إذا التقى الحق والباطل في لقاء مصيري محتوم فإن الله عز وجل ينصر جنده وأولياءه، فقد نصر الله نبيه موسى عليه السلام وقومه المستضعفين على فرعون الطاغية، ونصر محمد عليه الصلاة والسلام على كفار قريش في وقعة بدر الكبرى وغزوة الأحزاب، ونصر المسلمين الصادقين بقيادة المظفر قطز على التتار الباغين، وهانحن اليوم في لقائنا المصيري مع قوى العالم أجمع كافرهم ومنافقهم نعيش أياماً حاسمة تتمخض بنصر مبين للإسلام وأهله إن شاء الله .وإننا نعلن للعالم أجمع أنّا -إن شاء الله- لن نستكين ولن نلين وسنثبت بإذن الله الباري حتى يكون لنا إحدى الحسنيين إما النصر أو الشهادة، فأبشروا يا أهل الإسلام واعلموا أن بوادر النصر قد لاحت في الأفق، ومع اشتداد الأمور يأتي الفرج والنصر العظيم من القوي العزيز .فالله الله أيها المسلمون بمساندتنا، بالدعاء والمال، {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}. {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده} وصلِّ اللهم وسلم على خير خلق الله محمد بن عبد الله قائد المجاهدين).

وهاقد أوشك فجر النصر على الطلوع بإذن الله، وأوشكت ثمار الجهاد الرباني أن تنضج لتقطفها اليد التي طالما بذرت وسقت ودميت بسبب الأشواك على الدرب. فالله الله أيها المسلمون بقرّة العينين وتاج الرؤوس، الإمارة الإسلامية في أفغانستان، كونوا من لبِناتها أو من ذرات ثراها أو ما شئتم، ولا تخونوا دماء آلاف الشهداء الأبرار بأن تكونوا المعول الذي يهدم به العدو هذا الصرح المشيد بتضحيات الملايين من الصابرين والصادقين والمخلصين والعظماء.