حقبة الاحتلال وحقوق المرأة الأفغانية !

مومند صدر مؤخراً عن مكتب الرئيس أشرف غني احمدزاي بيان نـُشر بعد إلقائه كلمة قبل «يوم المرأة العالمي» الذي يحل كل عام يوم 8 آذار (مارس) وجاء في كلمته: «نحن مصرون على الوفاء بالتزاماتنا تجاه النساء، وسنحمي منجزاتنا ونعززها». وتنفيذًا لوعد “غني” ضمّت لائحة الوزراء أربع نساء، وهن “دلبر نظري” في وزارة المرأة، و”سلامت عظيمي” […]

مومند

صدر مؤخراً عن مكتب الرئيس أشرف غني احمدزاي بيان نـُشر بعد إلقائه كلمة قبل «يوم المرأة العالمي» الذي يحل كل عام يوم 8 آذار (مارس) وجاء في كلمته: «نحن مصرون على الوفاء بالتزاماتنا تجاه النساء، وسنحمي منجزاتنا ونعززها». وتنفيذًا لوعد “غني” ضمّت لائحة الوزراء أربع نساء، وهن “دلبر نظري” في وزارة المرأة، و”سلامت عظيمي” في مكافحة المخدرات، و”فريدة مهمند” في التعليم العالي، و”نسرين اورياخيل” في العمل والشؤون الاجتماعية. وتزامنا مع هذه المبادرة احتشد عشرات الرجال في شوارع العاصمة كابول وهم يرتدون النقاب والبرقع الأفغاني، احتجاجاً على الحجاب الإسلامي وانتهاكات حقوق المرأة في البلاد والعنف ضدها- حسب تعبيرهم- وبحسب وكالات الأنباء احتشد متظاهرون بالقرب من مقر لجنة أفغانستان المستقلة لحقوق الإنسان، مندّدين بإنتهاكات حقوق المرأة في البلاد. قال أحد المحتجين: “أجوب الشوارع اليوم بالنقاب لأتفهم كيف تواجه أخواتنا وأمهاتنا العنف من الرجال يومياً. لقد أردت أن أتفهم الوضع”. وأشار المتظاهرون، الذين قالوا إنهم جزء من جماعة تدعى “متطوعي السلام الأفغان”، إلى العديد من القضايا والشكاوى المقدمة لمنظمة حقوق الإنسان في أعقاب سلسلة من العنف ضد المرأة. وأعرب البعض عن إعجابهم بالخطوة.

قلنا يوماً من على منبر هذه المجلة أن المرأة الأفغانية قبل الحكم الشيوعي كانت تعيش حياة المرأة المسلمة وتؤدي واجباتها الإسلامية تجاه الزوج والمجتمع بكل ود وإخلاص، وكانت مدينة كابل متميزة عن باقي أنحاء البلاد بوجود طبقة راقية من المتعلمين والمتعلمات ـ إن صح التعبيرـ فظهرت المرأة حينذاك في الدوائر الحكومية وبات ظهور المرأة شائعاً في الأسواق والإدارات حتى جاء الحكم الشيوعي وتمكّن الجنس الناعم في ظل الحكم الشيوعي الديمقراطي من اتخاذ النوادي والمنتديات وعقد المحافل وفتح الصالونات الثقافية والسياسية، وكان الحكم الشيوعي يتاجر بالعقيدة، فابتدع في العادات الإسلامية الأصيلة، وأذاب الحواجز بين الفتيان والفتيات؛ لأن الاشتراكية لم تؤمن بمفاهيم وتقاليد عمرها أربعة عشر قرناً، إلى أن جاء عهد الإمارة الإسلامية وأصبحت المرأة في ظلها ذات مكانة وتقدير، فالموظفة تتسلم راتبها مرتاحة البال في بيتها دون أن تثقل كاهلها ضغوط العمل وازدحام الأشغال، وكنّ موظفات المستشفيات والأجنحة الأخرى التي لا يمكن تسيير العمل بغيرهن، يقمن بأعمالهن محجبات بدون أي عرقلة أو توقف، وهن يعرفن أن الحجاب من التعليمات الإسلامية الرشيدة وأمر اجتماعي خطير، يصون للمرأة كرامتها ويحفظ عليها عفافها، ويحميها من النظرات الجارحة والكلمات البذيئة اللاذعة. حتى جاء دور الاحتلال الأمريكي الذي دعى منذ اللحظات الأولى لاحتلاله إلى تحرير المرأة الأفغانية من أغلال التقاليد والأعراف والأحكام الظالمة الجائرة وإحقاق حقوقها المغتصبة -بزعمه الفاسد-، كما دعى إلى إحلال الديمقراطية في شتى أرجاء البلد، وإرساء الأمن الاستقرار، إلا أنه بعد مضي أكثر من 13 عاماً لم تذق المرأة مزقة من حقوقها، ولم يستتب الأمن والاستقرار، بل على العكس اشتد العنف والقتال وكثرت الجرائم وانعدم الاستقرار في البلاد واشتعلت نارالمعارك الدامية.

وعلى عكس مزاعم الاحتلال بأن المرأة الأفغانية قد استعادت حقوقها المسلوبة وأن الديمقراطية قد ازدهرت في افغانستان وستكون سباقة لتأسيس الشرق الأوسط الديمقراطي الجديد، نرى أن المرأة الأفغانية في ظل الاحتلال الأمريكي خسرت كل ما كانت تتمتع به في الماضي، فقد صارت سلعة رخيصة تُباع وتُشترى، اعتادت على المخدرات، وأصبحت فريسة الاغتصاب والتحرش الجنسي، وفي هذا الصدد تقول “كبرى خادمي”، الفنانة الأفغانية، أنها تعرضت للتحرش لأول مرة على يد غريب في الشارع، وأنها تمنت حينها لو أن ملابسها الداخلية مصنوعة من الحديد؛ لذا بعد أكثر من 20 عامًا، صنعت “كبرى” درعاً حديدياً مكوناً من صدر كبير ومؤخرة بارزة، وارتدته في شوارع كابول يوم 26 فبرايرالماضي احتجاجاً على وباء التحرش في البلاد. وتقول أنها تعرضت للتحرش في الشوارع في مناسبات أخرى كثيرة خلال حياتها، من بينها واقعة حدثت بعد وقت قصير من عودتها إلى أفغانستان في 2008 لتخضع لامتحانات القبول لدراسة الفنون الجميلة في جامعة كابول. وقبل عرضها الذي ارتدت فيه البدلة المدرعة، أمضت أربعة أشهر تقابل النساء وتجري معهن مقابلات بشأن الجنس والجنسانية والهوية.

الاحتلال الذي تترأسه أمريكا رأس الكفر والضلال، وأصل الفساد والانحلال، وبلاد العهر والفجور والمنكرات، البلاد التي أفادت الإحصاءات قبل أعوام أن فيها ملايين المدمنين وأن جريمة الاغتصاب تحدث فيها كل ست دقائق، هذا الاحتلال لن يجلب لأفغانستان إلا مصائباً كهذه.

كما أن هذا الاحتلال فتح الباب على مصراعيه للشهوات والإباحية، من خمر، ومجون، وأغان، وفسق، وزنا، ودور للسينما، وإدمان للمخدرات، ودعارة، وغير ذلك من الانتهاكات الصارخة لمحارم الله، تحت شعار الديمقراطية المعروف: “دعها تعمل ما تشاء، دعها تمر من حيث تشاء”، وتحت شعار: “حماية الحرية الشخصية!”.

فأمريكا أول دول العالم من حيث دور الدعارة، واللواط، وأندية العري، وحمل السفاح، ومواليد الزنا، وقنوات الانحلال، وشرب الخمور، وإدمان المخدرات، والشذوذ الجنسي، وغيرها من الموبقات .

 

وهذه هي الثقافات التي هي بصدد تصديرها إلى الدول التي احتلتها وتعمل لإقرار الديمقراطية فيها، ومنها أفغانستان المسلمة.

ولأجل إرساء الديمقراطية؛ كانت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية قد أطلقت برنامجاً تكلفته 200 مليون دولار لتعزيز دور المرأة في المجتمع الأفغاني، وهو رقم يمكن أن يتضاعف من خلال الدعم الدولي، ويهدف البرنامج لمساعدة النساء بين عمر 18 و30 عاماً على اكتساب المهارات والعثور على وظائف، ولدعم سيدات الأعمال بالقروض والتمويل، وتدريب النساء اللاتي يردن لعب دور في صنع السياسة. وقال رئيس الوكالة آنذاك في مقابلة له، إن التمويل الذي تقدمه وكالته هو أكبر استثمار من هذا النوع تقوم به في أي دولة أخرى من العالم .

 

وهاقد أثمر اليوم هذا الجهد الدؤوب حيث تتحدى الفتيات الأفغانيات التقاليد الإسلامية في بلادهن، ويشتركن في مسابقات للدراجات الهوائية وألعاب الكيركيت، وهناك منتخب النساء لكرة اليد وكرة القدم.

وقرر منتخب أفغانستان النسائي لرياضة الدراجات الهوائية مواجهة هذه التقاليد، استعداداً للألعاب الأولمبية. وتأمل الفتيات باستقطاب مزيد من الأفغانيات لممارسة هذه الرياضة المفضلة .

يقول أحد الصحفيين: إن “مليكة يوسفي” تصطف بدراجتها الهوائية إلى جوار زميلاتها على طريق خارج العاصمة الأفغانية وتستعد للتدريب الأسبوعي بعيداً عن أعين المحدّقين الذين يجتمعون لإبداء رفضهم لما يقمن به.

فبفضل الاحتلال، أصبحت “يوسفي” عضو في المنتخب الوطني الأفغاني للدراجات، الذي يكسر حدود ما هو مقبول وما هو غير مقبول، وتتدرب أكثر من 40 فتاة في الفريق، الذي نافس في عدد من البطولات الدولية. وأكدت يوسفي أنها مصرة على أن تصبح الأفغانية الأولى التي تنافس في سباق دورة فرنسا للدراجات التي يهيمن عليها الرجال منذ تنظيمها للمرة الأولى عام 1903. وقالت: “لن يوقفنا شيء”.

وببركة هذه الديمقراطية الجوفاء الداعية لحرية المرأة والانحلال، تمتعت المرأة الأفغانية بموسيقي الروك فيما يعد شذوذا عن أعراف مجتمعنا المحافظ بطبعه، وأقيم حفل ضخم لموسيقى الروك والراب في إطار مهرجان موسيقي نسائي بالعاصمة كابل في الماضي وحضرته ما يزيد عن 400 امرأة أفغانية.

وأقيم الحفل الذي وصفه منظموه بالحدث الأضخم في تاريخ أفغانستان المعاصر، بقاعة الاحتفالات، بحضور حشد كبير من النساء معظمهن مراهقات يرتدين الزي المدرسي، بالإضافة إلى ما يُسمى بضحايا الانتهاكات في الملاجئ. فبفضل الاحتلال، تلوثت أفغانستان بالأفلام الماجنة، والموسيقى الهندية، ومشروبات البيرة وغير ذلك.

 

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم            فأقم عليهم مأتماً وعويلاً

 

هذا ما اكتسبته المرأة الأفغانية في حقبة الاحتلال، وسنرى فيما بعد ما تحمله الأيام بقيادة رولا سعادة (بيبي جول)، السيدة الأولى المسيحية.

وبالرغم كل ذلك، فإن صفحات التاريخ الأفغاني مليئة بالمواقف العظيمة للمرأة المؤمنة، وأشهرهن (ملالي) الميوندية، التي أبت أن يتقهقر الرجال الأبطال أمام الغزاة الإنجليز في معركة ميوند الشهيرة التي وقعت عام 1880 ميلادي، فثبتت في الصفوف الأمامية أثناء تراجع الرجال ونادت بأعلى صوتها تستفز نخوتهم وكرامتهم، وأخذت تحارب الأعداء بشجاعتها الفريدة حتى كرّ الرجال، وتحمسوا، وعادوا إلى المعركة وانتصروا بإذن الله على الجيش الإنجليزي. وتكررت هذه الشجاعة النسائية في عهد الاحتلال السوفياتي، وستكرر مرات عديدة أخرى أمام كل طاغوت، متجبر، معتدٍ على شريعة الله ونواميس البلاد.