واقع التعلیم والتربیة في أفغانستان

بقلم: أبو منیب إن التعلیم والتربیة الصحیحين أساس بناء الحضارات والمجتمعات واللبنة الأولی في إرساء قواعد الأمن والسعادة والعیش الرغید في المجتمعات. إن الشعوب والدول التي تهتم بهاتین القوتین العظیمتین وتسعی سعیاً جاداً في تعلیم وتربیة الشباب والفتیان وتثقیفهم بمادئ دینها وعقیدتها، تجلس علی عرش المجد والفخار وتتسلم دفة الحکم والسیطرة وتتمتع بموارد العیش والرفاهیة. […]

بقلم: أبو منیب

إن التعلیم والتربیة الصحیحين أساس بناء الحضارات والمجتمعات واللبنة الأولی في إرساء قواعد الأمن والسعادة والعیش الرغید في المجتمعات. إن الشعوب والدول التي تهتم بهاتین القوتین العظیمتین وتسعی سعیاً جاداً في تعلیم وتربیة الشباب والفتیان وتثقیفهم بمادئ دینها وعقیدتها، تجلس علی عرش المجد والفخار وتتسلم دفة الحکم والسیطرة وتتمتع بموارد العیش والرفاهیة.

الحقیقة الواضحة أن التعلیم الراقي والتربیة الصحیحة في العصر الحدیث تكاد تحل مکان الجیوش والعتاد العسکري وباتت تلعب دوراً أعمق من الدبابات والطائرات والقنابل الذریة. فبقوة التعلیم یمکن الإطاحة بالحکومات وکسر شوکة الامبراطوریات والنظم المقتدرة، وهو أفید وسیلة للتأثیر في الجیل الجدید وإثارة کوامن الخیر أو الشر فیهم.

إن نوع التعلیم والمنهج يتحكم في دین الأجیال، وقد أثبتت التجربة والواقع أن الدارس في مؤسسة تعلیمیة مسیحیة سوف یعتنق دین المسیحية أو یتأثر منه. ومن یتعلم في مدارس تبنت المنهج التعلیمي العلمانی فسوف یعتنق العلمانية ویطبقها في جمیع شؤون حیاته؛ لأن التعلیم والتربیة والسلوکیات أعمق وأسرع في تحديد الدین. لذلک قال النبي صلی الله علیه وسلم: (کل مولود یولد علی الفطرة، فأبواه یهوّدانه أو ینصرانه أو یمجسانه).

وفي أهمیة التعلیم والتربیة یقول الأستاذ أبوالحسن الندوي رحمه الله: “أما بعد فإني لا أعرف أمانة أکبر ومسؤولیة أشد وخطراً أعمق أثراً في مستقبل الأمة وحیاتها، من التربیة والتعلیم، فزلة من زلاتها، قد تردي أمة بأسرها في هاویة وقد تؤدي بها إلی الاضمحلال والتفسّخ …کذلک یمکنها وحدها أن توجه العقول والنفوس توجیهاً صالحاً وتنشئ الأمة نشـأة جدیدة وتبني لها مستقبلاً باهراً”. {التربیة الإسلامیة الحرة/ بیروت ـموسسة الرسالة ـ 1397/1977}

ویقول الأستاذ في موضع آخر: “إن مصیر البلاد الإسلامیة وقضیة بقاء الأجیال المسلمة اللاحقة علی الإسلام أو انسلاخها عنه، لیس منوطاً بالمیدان السیاسي، إنما هو منوط بالمیدان التعلیمي والثقافي”. [الصراع بین الفکرة الإسلامیة والفکرة الغربیة ـ ص110ـ لبنان ـ دارالندوة للتوزیع ـ 1385/1965]

 الغرب واستغلاله التعلیم والتربیة لأهدافه:

تزامنا مع بزوغ فجر الإسلام اصطف أعداء الإسلام لیطفئوا نور الله والله متم نوره ولو کره الکافرون. فقاموا باستخدام شتی الأسالیب والطرق والأسباب في هذا الصدد. ولم یکن نصیب الکفر إلا الهزیمة والفشل وذهاب ریحه في جمیع المیادین. بدءاً من المیادین العسکریة والآلات الحربیة إلی المیادین الاستعماریه واحتلال الأقطار الإسلامیة. وبعد الهزائم المتکررة المریرة التي تجرعها الأعداء، فکروا في اکتشاف أسلوب مؤثر لإطفاء شعلة الإیمان المتغلل في قلوب المسلمین وصدهم عن سبیل الله والحیلولة دون التضحیة والتفاني في طریق الدعوة إلی الله، وتعویدهم علی العیش الرغید والرفاهیات. فکان تطویر المنهج التعلیمي والتربوي وإدخال المنهج التعلیمي الغربي وآخر ما وصل إلیه الغرب. وقد اتفق العلماء والمربون علی أن التعلیم والتربیة أفید وسیلة لتغییر الأفکار والعقائد وانسلاخ الأجیال عن ماضیهم المجید وحضارتهم الفخمة.

یقول الأستاذ الفقید أنور الجندي: “إن التعلیم کان هو المنطلق الحقیقي لخطة الغزو الثقافي، ومازال، وسیظل إلی وقت طویل مالم یتدارک المسلمون هذا الخطر ویعملوا علی إیقاف السیطرة الأجنبیة الواضحة الأثر علی التعلیم في مختلف مجالاته ومختلف بیئاته”. [ التربیة الإسلامیة هي الاطار الحقیقی للتعلیم ـ أنور الجندي ص 2 ـ المکتبة الشاملة ]

فبدأوا بتطبیق خطتهم الجدیدة في جمیع البلاد الإسلامیة، فکانوا أولا یسعون في إثبات أن التعلیم والتربیة الإسلامیه غیر لائقه بالجیل الجدید ومن ثم مهدوا الطریق في إدخال منهجهم العلماني علی المؤسسات والمراکز التعلیمیة. وأحیاناٌ يستغلون للشباب المتخرجین من الجامعات الغربیة في تطبیق منهجهم. فکان لهذا الأسلوب أثره العمیق علی العالم الإسلامي. إذ نشأ في إطار هذا النظام العلماني أسوأ جیل عرفه التاریخ. جیل لعب دور الأعداء ضدا لإسلام، فکان من شیمة هذا الجیل التعامل مع جمیع الأدیان والفرق إلا الإسلام. وأحیاناٌ کان موقفهم حیال الإسلام أشد ضراوة من سائر أعداء الإسلام.

فمصطفی کمال، وطه حسین، وجمال عبدالناصر وأمان الله خان من هذا الجیل الذي ترعرع في أحضان الغرب. ولقد أثبت الواقع نجاح الغرب في هذا المشروع المؤثر والأساسي.

 واقع التعلیم والتربیة في أفغانستان:

لاشک أن من أهداف المحتلین من الهجوم العسکري علی أفغانستان هو التغییر الجذري في التعلیم والتربیة وفرض المنهج التعلیمي والتربوي للغرب علی الشعب الأفغاني. ولو دققنا النظر في المنهج التعلیمي الحالي سنجد فوارق واضحة بین هذا المنهج والمنهج السابق. ولولا جهود بعض المخلصین لکان التغییر والتأثیر أکبر وأوضح من الحاصل. وقد أدخل المحتلون جبراٌ بعض الموضوعات والمفاهیم العلمانیة، مثل حقوق الإنسان، حقوق المرأة وغیرها من الموضوعات التي هي کلمات حق أرید بها باطل، كما قاموا بحذف وتقلیل الموضوعات الدینیة من الکتب الدراسية، وحذف الأمثله التي تحتوي علی موضوع جهادي ودیني.

من یطالع تاریخ الغزو الثقافي للعالم الإسلامي سیجد أن الخطه الأولی والأساسیة في هذا المجال هي إیجاد التغییر في المواد الدراسیة. فیقوم الأعداء بحذف بعض المواد والموضوعات وإدخال المواد الغیر المفیدة أو التي تقل فائدتها، وإلى جانب ذلك يدسون في الکتب فهماً خاطئاً عن الإسلام والقرآن . وإذا لم یستطع العدو العبور عبر هذه الوسيلة، فالوسيلة الثانیة هي استخدام أساتذة علمانیین یقومون بتربیة الطلاب تربیة غیر إسلامیة وتضليلهم وإبعادهم عن الإسلام والقرآن، أو یستخدم أساتذة جهّالاً یحملون شهادات فارغة لا قيمة لها، وهؤلاء نظراٌ لقلة علمهم وفهمهم الخاطئ للدین، يكونون حجر عثرة دون تقدیم تعلیم وتربیة صحیحين للجیل الجدید.

إن هذه الطبقة من المعلمین وهم الغالبیة في قائمة المعلمین الأفغان، لیس لهم هدف راشد إلا الحصول علی الرواتب وجمع الأموال والاستفادة من المنافع التي تُعطى للمعلمین.

والأزمة الأخری في نظام التعلیم والتربیة في أفغانستان هي وجود مئات المعلمین الذین تخرجوا من الجامعات ودور المعلمین في فرع الشریعة وهم لا یمتلکون من العلم الصحیح شیئاً. إنهم بفهمهم الخاطئ للإسلام وللقرآن وببضاعتهم المزجاة من العلم الشرعي خیر أداة لحصول الغرب علی أهدافه الخبیثة في تغريب أبناء هذا الشعب المجاهد الأبي الباسل.

ومما یؤسفنا جداٌ عدم وجود مؤسسة تقوم بعقد الدورات العلمیة لرفع مستوی معلوماتهم عن الإسلام والقرآن، فإنه یوجد من بین هؤلاء من لا یعرف تعریف المصطلحات البدائیه مثل الوحي والفرض والواجب. إذاٌ ماذا ننتظر منهم. وماذا سیحققون في میدان التربیة الصحیحة لأبنائنا الواقعین تحت مخالب النظام العلماني.

وجود المدرسات الشابات في المکاتب أزمة أخری يعاني منها النظام التعلیمي في أفغانستان. إنهن یحضرن الصفوف في هیئة یستحيي من وصفها الإنسان. حقاً إنهن مصداقاً لحدیث الصادق المصدوق صلی الله علیه وسلم : “کاسیات عاریات رؤوسهن کأسنمة البخت”.

والأمر العجیب أن کثیر من هؤلاء المعلمات أصغر من الطلاب. علی سبیل المثال الطالب في العشرین من عمره والمعلمة فی الثامنة عشرة من عمرها. والأعجب من ذلک الأخبار الموثقة التي تفيد بوجود صلات غیر شرعیه بین بعض هؤلاء المعلمات مع تلامیذهن.

من الطبیعي أن یفشل مشروع التعلیم والتربیة في ظل المشاکل السابقة. لذلک نری أن کیفیة التعلیم ضئیلة جداٌ حیث یتخرج الطالب وبضاعته في العلوم المقروءة مزجاة، وکثیر منهم لا یقدرون علی کتابة الأسماء، ومعظم التلامیذ محرومون من التربیة الصحیحة، فلا یعرفون السلوکیات ولا یرعون حقوق الناس، وفوق ذلك كله لیس لهم غایة في الحیاة بل یعیشون عیشة لهو. غایتهم الأولی والأهم الحصول علی المادیات والرفاهیات.

عوداٌ على بدء، فإن واقع التعلیم والتربیة في أفغانستان متأزم جداٌ ويسیر في سبيل مرضاة المحتلین، وهو نذير خطر عظیم ومستقبل مظلم رهیب، وهو ما یریده الغرب ویتمناه.

 مستقبل الجیل الناشئ في أحضان المنهج الغربي

لقد سبق وأن فُرض المنهج التعلیمي والتربوي للغرب علی کثیر من الدول الإسلامیة، فکانت ثماره الأوضاع الألیمة التي أحرقت البلاد الإسلامیه، والسبب الرئیسي أن هذا النظام الدراسي یمیت الضمیر والشعور في دارسه ویربیه علی الاعتداء علی المسلمین وسفك دمائهم والخدمة الصادقة للزعماء الغربیین. وینشئهم نشأة حیوانیة تجعلهم عُمياً صُماً لا یسمعون صرخات النساء وویلات الضعفاء واستغاثه الشیوخ والأطفال.

وإذا استمر هذا النظام في أفغانستان فسوف نشهد جيلاً متصفاً بتلک الصفات القبیحة وسنری بأم أعیننا ثماره الطالحة.

 ماهو واجبنا تجاه هذه الأزمة الکبری؟

إن مهمة التعلیم والتربیة تقع علی عواتق العلماء والدعاة؛ لأن العلماء ورثة الأنبیاء ومن وظائف الأنبیاء التعلیم والتربیة.

إن المسؤولیه عظیمة وتحتاج إلی رجال ذوو خبرات واسعة ومؤهلات کافیة، ولابد من الاستعداد لأداء هذه المسؤولیة. وبقدر شعور العلماء والمعلمین المؤمنین بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم بقدر ما يسلم الجيل من آثار هذا المنهج المخرّب للعقول. وإن لم یقم العلماء والدعاة والمعلمون المؤمنون بواجبهم وتركوا المیدان فارغاٌ، فسوف یملأ الغرب هذا الفراغ ویربي أبنائنا کیفما شاء.

قال الله تعالی: (إلا تفعلوه تکن فتنة في الأرض وفساد کبیر).

والآن آن الأوان لیفیق العلماء والدعاة والمعلمون المخلصون من سباتهم العمیق ویشعروا بالمسؤولیة تجاه الجیل الناشئ، وأن يمنعوا تکرار التجربة السابقة التي فُرضت علی هذا الشعب زمن حکومة خلق. لکي تقر عیوننا بجیل صالح سالم من آثار التعلیم والحضارة الغربيين، جیل یؤمن بجدارة الإسلام وقیادته الصالحة للبشریة وأنه الحل الوحید لجمیع الأزمات والمعضلات في حیاة البشر. وما ذلک علی الله بعزیز.