أفغانستان تزهو ببلدياتها

بقلم: محمد إسحاق الصالحي   رغم الحصار الجائر، ورغم تجميد أموال الشعب الأفغاني، ورغم العوائق والعراقيل التي تواجهها الحكومة الجديدة في أفغانستان، ورغم عدم الاعتراف بها دولياً، ورغم التضليل الإعلامي ضدها، ورغم وسائل الإعلام التي تبث سمومها وأكاذيبها بين حين وآخر وحديثها كذباً وزوراً عن الفوضى والاضطرابات في الوطن لتُشوّش أذهان الناس وتزرع اليأس والتشاؤم […]

بقلم: محمد إسحاق الصالحي

 

رغم الحصار الجائر، ورغم تجميد أموال الشعب الأفغاني، ورغم العوائق والعراقيل التي تواجهها الحكومة الجديدة في أفغانستان، ورغم عدم الاعتراف بها دولياً، ورغم التضليل الإعلامي ضدها، ورغم وسائل الإعلام التي تبث سمومها وأكاذيبها بين حين وآخر وحديثها كذباً وزوراً عن الفوضى والاضطرابات في الوطن لتُشوّش أذهان الناس وتزرع اليأس والتشاؤم في نفوس المواطنين حول المستقبل، إلا أن إمارة أفغانستان الإسلامية تمضي قُدُماً غير آبهة بطعن الأعداء فيها وتقليلهم من شأنها في القدرة على إدارة البلاد وبسط الاستقرار والأمن والأمان فيها، وتسير بخطواتها الثابتة، وعبقرية مسؤوليها الفذة وحنكتهم البالغة وحكمتهم الراسخة، تشق طريق الرقي والازدهار، وترسم ملامح المستقبل، وتزيل العقبات والموانع التي تعيق طريقها وتعرقل حركتها نحو النهضة من جديد.

 

لا أريد هنا أن أكتب عن المشاريع الكبيرة التي يعرفها الجميع وكتب عنها الكتابُ وحملةُ الأقلام، مثل: “قناة قوشتبه”؛ ذلك المشروع الضخم الذي يحتاج حَفرُه واكتماله لملايين الدولارات بدعم من خزينة الدولة دون أي دعم خارجي أو مساعدة دولية؛ ومشروع “تابي لنقل الغاز” الذي يربط أفغانستان وباكستان والهند؛ ومشروع “كاسا ١٠٠٠” المهم والحيوي الذي ينقل ١٣٠٠ ميغاواط من طاقة الكهرباء من قيرغيزستان وطاجيكستان إلى باكستان عبر الأراضي الأفغانية؛ ومشروع “تاب” الذي يُعدُّ أحد المشاريع الكبرى لنقل الكهرباء بين تركمانستان، أفغانستان، وباكستان مع ما يوفّره للبلاد من فوائد لعبور خط الكهرباء، وحصول أفغانستان على ٣٠٠ ميغاواط من الكهرباء؛ ومشاريع السكك الحديدية التي سيزدهر بها مستقبل أفغانستان، وستلعب في المنطقة دورا محوريا إن شاء الله.

 

ولا أريد أن أكتب عن الإنجازات الكبيرة والأعمال المتميزة التي قامت بها إمارة أفغانستان الإسلامية في هذه السنوات الثلاث من حكمها، مثل: مكافحة الإدمان والفقر، ومعالجة مدمني المخدرات في المشافي وإعادتهم إلى بيوتهم سالمين، وجمع المتسولين وتعيين الرواتب للمحتاجين منهم، وتقديم المعونات والمساعدات لأبناء الشهداء والأطفال اليتامى والأرامل الذين خلفتهم الحرب الشرسة التي شنتها أمريكا مع حلفائها على هذا الشعب المظلوم، دون التفريق بين أبناء المجاهدين وأبناء من قاتلوا في صف الاحتلال.

 

ولا أريد أن أكتب عن التطورات الاقتصادية والتحولات التجارية، والاستثمارات القيّمة في القطاعات المختلفة التي حدثت منذ تولي الإمارة الإسلامية زمام الحكم، مثل: إنشاء أكثر من ألف مصنع في مدينة هرات، ومشاريع بناء السدود التي تساهم في حفظ المياه وتخزينها وتوليد الطاقة الكهرومائية منها؛ ولا عن الجهود التي بُذِلَت للتقدم بالبلاد حيثُ حققت أفغانستان لأول مرة الاكتفاء الذاتي في إنتاج قضبان الحديد وتمكنت من التصدير إلى بعض الدول المجاورة؛ ولا عن ازدياد الإيرادات الوطنية؛ ولا عن العلاقات الدبلوماسية التي استطاعت إمارة أفغانستان الإسلامية أن تعززها مع دول الجوار وسائر الدول، وفتح سفاراتها في عدة دول.

 

إنما أريد هُنا أن أكتب عما يفعله مسؤولوا البلديات في كل محافظة ومدينة، والتحولات غير المسبوقة التي نشاهدها في المدن، وذلك عملٌ كبيرٌ وإنجاز عظيم، وإن لم تبثّه وسائل الإعلام.

 

هنا أريد أن أبيّن بعض ما تقوم به البلدية في جميع المحافظات:

 

1- الرقابة على الأبنية والمنشآت الجديدة، حيث أدخلت البلديات في الولايات المختلفة تحسينات عديدة في هذا المجال، فبذلت جهودها للحد من مخالفات البناء، ورفع مستوى جودة المشروعات الجديدة، وهدم البيوت والمباني التي لم تُبنَ حسب المعايير، أو المبنية على الطرق الرئيسية والشوارع، وإعادة بناء المباني الآيلة للسقوط.

 

2- إنارة الشوارع؛ قبل سنوات عندما كنا نريد أن نذهب في الليالي إلى الأسواق، كنا نواجه ظلاما حالكا قاتما، ولكن بفضل الله أولا، ثم بفضل جهود مسؤولي البلديات، صرنا نرى اليوم أسواقنا جميلة متلألأة بالأضواء تزيد كل يوم بهاء وجمالا وإشراقا فتلفت الأنظار. وإنارة الطرق والشوارع تُعدّ من الأمور الحيوية الهامة للسلامة وتوجيه المرور في الظروف الجوية السيئة وفي الليالي الحالكة.

 

3- تجهيز الطرق وسفلتتها وتعبيدها وترميمها؛ معظم الطرق التي تشققت بسبب الأحمال الثقيلة والشاحنات الكبيرة وتضررت بسبب الحرب التي دامت عقدين، تم إصلاحها، وستصلح بقية التصدعات والتشققات عما قريب بإذن الله.

 

4- تنظيف الشوارع والأزقة؛ يشتغل عمال النظافة ليل نهار لتنظيف شوارع المدينة وأزقتها. هؤلاء العمال، بأعمالهم التي يقومون بها، لفتوا أنظار الشعب إليهم، واستحقوا الثناء والإشادة بجهودهم، ومن حقهم أن نحترمهم لأنهم يجتهدون لإظهار وجه مدينتنا الجميل.

 

5- تركيب حاويات النفايات والقمامة على جوانب الشوارع والأزقة لتُلقى القمامات فيها بدلاً من إلقائها في الشوارع والأزقة أو جداول المياه التي تسبب الروائح الكريهة والأمراض المهلكة وتسبب إزعاج المارين.

 

6- الرقابة على الأسعار وضبطها بحيث لا يتضرر الباعة والمشترون، ولولا رقابة البلدية لَرفع التجار والباعة وأصحاب المتاجر أسعارَ السلع دون أي رادع.

 

7- مراقبة المواد الغذائية والاستهلاكية، والإشراف على تموين المواطنين بها، ومراقبة أسعارها وأسعار الخدمات العامة ومراقبة الموازين، والمكاييل، والمقاييس، بالاشتراك مع الجهات المختصة.

 

8- استعادة الأراضي المغتصبة التي استولى عليها المستبدون والحكوميون السابقون الذين لم يردعهم عن ذلك أي رادع في ذاك الوقت، وكانوا يبنون في الأراضي الحكومية بناياتٍ شامخة وعمارات فاخرة لأغراضهم الشخصية، ولكنّ الحكومة الجديدة عزمت على إعادتها، فأعادت الكثير منها رغما عنهم.

 

9- تحديد مواقع خاصة للباعة المتجولين الذين يعرضون بضائعهم في الطرقات، ومنعهم من التضييق على السيارات والمارة في الطرق الرئيسية، وحتى لا يتسببوا في إحداث الزحام والفوضى في المدن الكبيرة ذات الأعداد الهائلة من السكان، وكذلك منع التلوث السمعي المنبعث من الضوضاء والضجيج الذي يزعج الناس.

 

10- تقديم برامج تعليمية ودورات تدريبية لتعزيز ثقافة الحياة المدنيّة في بعض الولايات؛ هذه القضية تعتبر من أهم القضايا لدى العديد من المواطنين، فالكثير من الأشخاص الذين انتقلوا من القرى إلى المدن الكبيرة لا يميّزون -حتى الآن- بين الحياة الريفية والحياة المدنية؛ ولهذا تم تنظيم برامج تعليمية ودورات تدريبية لتعريف الناس بثقافة المدينة في جميع المحافظات، وتَثقيف هؤلاء الأشخاص وتعليمهم كيفية العيش في المدن الكبيرة؛ الأمر الذي سيساهم في حل العديد من المشاكل التي تواجه البلديات، ويساعدها في توسيع أنشطتها بشكل فعّال في تنظيف الشوارع والأزقة وتجميلها أكثر فأكثر.

وغير ذلك من النشاطات المبهرة والخطوات الجادة والقيمة التي لا تعد ولا تحصى.

 

 

 

بفضل جهود مسؤولي البلدية وسائر المسؤولين المعنيين بالأمر؛ نرى أن وجه مدننا وأسواقنا يزهو يوما بعد يوم، ونرى عيانا أن “المدينة لا بد أن تُصنع، ولا توجد بنفسها”. وعندما نتحدث مع الناس عن نشاطات البلدية ومساعيها الحثيثة، نجدهم يقدّرون جهودها ويثمنونها، ويدعون لها بالخير ومزيد من التوفيق والسداد لتجميل المدينة وإعمارها. وعلى رأس جميع هؤلاء المسؤولين؛ نرى مسؤولي بلدية كابل أكثر نشاطا وفعالية في تطوير مدينة كابل والسعي لرقيها، حيث تغيرت ملامح كابل، وصارت أكثر بهاء وجمالا من ذي قبل؛ فإن معظم سُكان كابل يعترفون بهذا الأمر ويقولون: “لم نرَ مثل هذا النشاط والفعالية التي تحدث حاليا منذ عقود بعيدة، ونأمل أن يتخذ سائر مسؤولي البلديات في محافظات أخرى هؤلاء المسؤولين قدوةً لهم، وينتهجوا منهجهم في السعي الدؤوب، والعمل الجاد المتقن”.

 

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن جهود المسؤولين متواصلة لإعمار البلاد، وخدمة الشعب الأفغاني الذي عانى ويلاتِ الحرب التي فرضتها عليه أمريكا وحلفاؤها، وعانى الدمار الذي يحتاج إلى الترميم وإعادة البناء والإصلاح وبذل جهود مضاعفة ومساعي حثيثة لتنهض البلاد من جديد.