اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
نهاية حقبة العقوبات الصارمة وبداية التعامل البناء! تمرّ عملية بناء العلاقات في السياسة العالمية بمراحل معقدة وطويلة، مثل المياه التدفقة التي يهدأ جريانها تارة، وتخلق اضطرابات تشبه أمواج الفيضانات تارة أخرى، وعلى هذا النحو، مرت علاقات الدول عبر التاريخ باختبارات من الحروب، والاتفاقيات السلمية، والتفاهمات السياسية. في هذا السياق، تستفيد الأمم الذكية من النضال […]
نهاية حقبة العقوبات الصارمة وبداية التعامل البناء!
تمرّ عملية بناء العلاقات في السياسة العالمية بمراحل معقدة وطويلة، مثل المياه التدفقة التي يهدأ جريانها تارة، وتخلق اضطرابات تشبه أمواج الفيضانات تارة أخرى، وعلى هذا النحو، مرت علاقات الدول عبر التاريخ باختبارات من الحروب، والاتفاقيات السلمية، والتفاهمات السياسية.
في هذا السياق، تستفيد الأمم الذكية من النضال للحفاظ على قيمها، من أجل إحداث تغيير إيجابي في مصيرها، وعندما تمسك بزمام استقلالها، تستخدم الدبلوماسية والحنكة والجهود المستمرة لتغيير الصورة السلبية للعالم تجاهها.
لقد قدم الشعب الأفغاني أروع نماذج من التضحيات لعقود من أجل إنهاء الاحتلال مرة تلوى الأخرى بدءًا بالاجتياح البريطاني لأرض الأفغان ومرورا بالغزو السوفييتي ثم نهاية بالاحتلال الأمريكي، وبذلك نجح هذا الشعب المقاوم بفضل الله ثم بجهاده في تغيير سياسات القوى الكبرى تجاهه، وبعد سنوات من الحروب، يقف هذا البلد على عتبة مرحلة جديدة من الأمن والاستقرار وتفتح آفاقا جديدة للتعامل مع مختلف القوى في العالم، فالإمارة الإسلامية، التي لم تستسلم للاحتلال وأثبتت بجدارة موقفها الإسلامي المبارك والوطني المشرف في جهاد المحتلين ومقارعتهم، مُنحت النصر العسكري والسياسي ولله الحمد والمنة، والآن، بدأت دول العالم تتقبل واقع الإمارة الإسلامية وتتطلع لفتح صفحات جديدة معها ليس في ميادين الحرب بل في دهاليز السياسة والتعامل البناء القائم على الاحترام المتبادل الذي يراعي مصالح الطرفين.
الولايات المتحدة الأميركية التي سبق لها أن وضعت مكافآت على قادة الإمارة الإسلامية، تتراجع اليوم عن موقفها وتلغي تلك المكافآت وتبطلها، وهذه الخطوة تعدّ إشارة سياسية مهمة وإنجازًا كبيرًا للإمارة الإسلامية في الساحة الدولية.
عندما يتحرر بلد ما، تنطفئ نيران الحرب وتنمو فرص التفاعل السياسي، فتتغير المواقف وتنشأ علاقات جديدة، وقد ثبت تاريخيًا أنه عندما تنجح أمة في اختبارات الزمن، يضطر العالم إلى الاعتراف بواقعها، وحينها تحل التفاهمات المتبادلة والتعاون العملي محل العقوبات والضغوط السياسية.
فقد ألغت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 10 ملايين دولار على وزير الداخلية الأفغاني خليفة سراج الدين حقاني، بالإضافة إلى مكافآت بقيمة 5 ملايين دولار على اثنين آخرين من قادة الإمارة الإسلامية، وهذا القرار يعكس تغيرًا جديدًا في سياسات الولايات المتحدة وتكيفها مع الواقع الجديد في أفغانستان ويظهر نهاية حقبة العقوبات الأمريكية الصارمة بحق الأفغان كما يعكس فشل سياسة الضغوط التي مارستها أمريكا طيلة الفترات الماضية.
وفي مقابلة مع قناة الجزيرة صرح شقيق وزير الداخلية الأفغاني والقيادي البارز في الإمارة الإسلامية السيد أنس حقاني بأن الولايات المتحدة اتخذت هذه الخطوة لتعزيز علاقاتها مع الإمارة الإسلامية، ويبدو أنها تستعد للتعامل مع الهيكل الحكومي الجديد في أفغانستان، وإذا استمر هذا التعامل، فمن المحتمل أن ترفع الولايات المتحدة المزيد من العقوبات في المستقبل القريب، مما قد يفتح المجال لتوسيع العلاقات الثنائية.
من جهة أخرى، قام المبعوث الأمريكي السابق إلى أفغانستان زلماي خليل زادة رفقة وفد أمريكي رفيع، لأول مرة منذ استعادة الإمارة الإسلامية الحكم، بزيارة إلى العاصمة الأفغانية كابل، حيث التقى مسؤولين حكوميين في الإمارة الإسلامية، ويعدّ هذا اللقاء خطوة أخرى نحو تعزيز العلاقات البناءة بين الطرفين.
وخلال اجتماعه مع الوفد الأمريكي، صرح وزير الخارجية الأفغاني المولوي أمير خان متقي بضرورة تجاوز معاناة الحرب التي استمرت لعشرين عامًا، والبدء في بناء علاقات سياسية واقتصادية.
وفي خطوة تعكس حسن النية، أفرجت الإمارة الإسلامية عن مواطن أمريكي كان محتجزًا لديها منذ سنتين، وهو ما وصفه وزير الخارجية الأمريكي مارك روبيو بأنه خطوة إيجابية وبناءة في العلاقات بين أفغانستان والولايات المتحدة.
وقد حان الوقت لكي تعترف الولايات المتحدة والعالم بالإمارة الإسلامية كواقع وتتفاعل معها، لأن هذا التعامل يصب في مصلحة أفغانستان والمنطقة والعالم أجمع، وإذا كانت الولايات المتحدة جادة في إصلاح علاقتها بأفغانستان، فعليها التوقف عن فرض الشروط غير الضرورية واعتماد سياسة التعامل والتفاهم مع الإمارة الإسلامية بد سياسة الضغط والإملاءات سيما بعدما عرفت أن هذه السياسة لن تجدي نفعا مع الأفغان، فقد عرفت أمريكا أنها لم تفز في ميدان الحرب وأنها خرجت سالمة من أفغانستان عبر المفاوضات كما أنها لم تتمكن أن تفرج عن أسير واحد لها عن طريق القوة بل لجأت إلى المفاوضات أيضا للإفراج عن أسراها.
وفي ظل تحقيق الإمارة الإسلامية تقدمًا مهمًا في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية في أفغانستان، يعدّ هذا التقدم فرصة سانحة للولايات المتحدة والعالم لمتابعة الأهداف المشتركة من خلال التعاون مع النظام القائم.
ولقد أثبت التاريخ أن العالم في النهاية يعترف بواقع الأمم التي تجتاز اختبارات الزمن بنجاح وتدافع عن كرامتها وعزتها ولا تستسلم للمحتلين ولا تتنازل عن سلاحها أبدا.
ومن الصعب التغاضي عن الحقائق وعدم تقبلها في السياسة العالمية، فقد مرت الإمارة الإسلامية بمرحلة طويلة من النضال العسكري والسياسي، وهي الآن تدخل مرحلة جديدة من التعامل والتفاهم، ولتحقيق تخفيف العقوبات، وتعزيز التعاون الاقتصادي، وتطوير العلاقات السياسية، قدمت الإمارة الإسلامية للولايات المتحدة إشارات واضحة وصريحة.
وإذا اعترفت الولايات المتحدة والعالم بواقع أفغانستان الجديد بصدق، فإن ذلك سيعود بالفائدة على استقرار وأمن المنطقة بأسرها، لأنه لا يمكن تطوير العلاقات من خلال العقوبات والضغوط، بل من خلال التفاعل المتبادل.
وإذا تخلّى العالم عن التحيزات السياسية القديمة وتوجه إلى قبول الواقع الحالي لأفغانستان، فسيكون ذلك بداية إيجابية لاستقرار المنطقة، حيث سيحلّ الاحترام المتبادل والتعاون الاقتصادي والتفاهم السياسي محلّ العنف والعقوبات، مما يعود بالنفع على جميع الأمم والدول.
این مطلب بدون برچسب می باشد.
دیدگاه بسته شده است.