اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
نشأت في بيتٍ جهادي علمي سياسي. والقرية -الحمد لله- فيها العلماء الكبار. بدأتُ دراستي في الكتب الابتدائية مع والدي الكريم، ثم انتقلتُ للدراسة في المدارس. ظللت في أفغانستان حتى حدوث الانقلاب الشيوعي، واستكملت تعليمي الابتدائي والثانوي. بعد ذلك هاجرت إلى باكستان.
أجرت شبكة يقين الإخبارية لقاءاً مرئياً مع وزير البترول والمعادن السابق؛ الشيخ شهاب الدين دِلاور، والذي يشغل حالياً منصب الرئيس العام لجمعية الهلال الأحمر الأفغاني. اللقاء تناول عدة محاور تتعلق بالشيخ شهاب الدين دِلاور؛ المواطن والأستاذ والعالم والسياسي والوزير.
وفيما يلي متن اللقاء مفرغاً، وستجدون فيه: التعريف بوزير البترول والمعادن السابق الشيخ شهاب الدين دلاور، أبرز المحطات في حياته، دوره قبل الاحتلال وبعده، المناصب والمهام التي كُلِّف بها، حال الوزارة قبل استلامه لها، أبرز المنجزات التي تمت في وزارة البترول والمعادن، المشاريع المستقبلية للوزارة، الشركات العاملة، ورسائل للمستثمرين.
■ أين وُلد وكيف نشأ الشيخ شهاب الدين دِلاور؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا النبي وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
أولاً، أرحب بكم، أهلاً وسهلاً. وأقول في جواب سؤالكم؛ أنا وُلدت في ولاية لوجر، في قرية بابوس سنة 1340هـ.ش.
■ هذه الولادة في هذه المنطقة؛ هل كان لها أثر في نشأة الشيخ؟
■ كم كان عمركم في وقت الهجرة؟
في ذلك الوقت ربما كنتُ ابن 15 أو 16 سنة.
■ هل هناك قصة تتذكرها في طريقكم -طريق الهجرة-؟
أبي كان نائباً في ولاية لوجر، في دورة البرلمان الثالثة عشر بكابل، خلال فترات حكم محمد ظاهر شاه. في تلك الفترة، كان هناك وجود لكبار المتطرفين الشيوعيين في البرلمان، مثل: حفيظ الله أمين، وبابرك كارمل، وغيرهم، وكان والدي يدخل معهم في نقاشات وصراعات شرسة طويلة؛ لذلك، بعد الانقلاب الشيوعي في السابع من شهر ثور هـ.ش الموافق لـ 27 من نيسان من عام 1978م، كان زعماء الشيوعية يعرفون والدي، وبدأوا في محاولة القبض عليه، لكنه نجح في الفرار من بيته في الليلة الأولى من الانقلاب وهاجر.
بعد مرور سبعة أشهر، جمعنا بعض أغراض البيت بشكل سري ووضعناها في سيارة على هيئة تنقل البدو، وغادرنا المنزل في الليل. وفي الطريق كنا نخفي وجهتنا، ونقول للشرطة في نقاط التفتيش نحن ذاهبون إلى محافظة جلال أباد. وعندما نصل هناك، نقول للشرطة نحن ذاهبون إلى منطقة طورخم، بينما كنا نخطط في الحقيقة للهروب إلى باكستان.
وعندما وصلنا إلى منطقة طورخم الحدودية عبرنا الحدود وذهبنا إلى باكستان. في ذلك الوقت، لم تكن هناك صعوبات في عبور الحدود، وكانوا يسمحون للبدو بالسفر إلى باكستان بسياراتهم. فنحن خرجنا وهاجرنا إلى باكستان بهذا الشكل مع أسرتنا، وقد هاجر والدنا في البداية قبلنا.
■ في أي منطقة استقررتم في باكستان؟
عندما وصلنا إلى باكستان، كان والدي يعيش في منطقة حاجي كامب، وفي تلك الفترة كان هناك عدد قليل جداً من المهاجرين في باكستان.
كان الأستاذ رباني، والمهندس حكمتيار، ووالدي، والقاضي محمد أمين؛ من أوائل المهاجرين في ذلك الوقت، وكان عددهم يتراوح بين سبعة إلى ثمانية أشخاص، كان من ضمنهم أيضاً الملوي نصر الله منصور. في تلك المنطقة كان أبي قد جهز مكاناً وبدأنا بالعيش هناك.
■ هل كانت هناك صعوبات واجهتكم في بشاور أم سارت حياتكم بشكل طبيعي؟
كانت الصعوبات موجودة طبعاً؛ فقد غادرنا بلادنا، وتركنا القرية والأراضي الزراعية والبيت والدراسة، يعني تركنا كل شيء؛ لذلك كانت الحياة صعبة لأنها حياة الهجرة. وبعد ذلك، بدأ المهاجرون الأفغان إلى باكستان يتزايدون. ومع مرور الوقت تعودنا على الحياة في الهجرة.
■ في هذا العمر، هل بدأتم في استكمال مسيرتكم الدراسية أم انشغلتم لفترة بالعمل؟
في ذلك الوقت عُدتُ للدراسة، وبدأت بدراسة الكتب الدينية في المدارس الدينية وفي العطلة الصيفية كنا نذهب للجهاد في أفغانستان.
طبعا بعد سنتين من الهجرة، شُكلت فصائل المقاومة، وشُكلت الأحزاب، وبدأت الفعاليات الجهادية بشكل منظم. لكن قبل ذلك، كان المجاهدون يقومون بهجمات مباغتة وكمائن الكر والفر، ولكن الحراك المنظم حدث بعد القيام بإنشاء المخيمات ومراكز المجاهدين. كان هذا بعد سنة أو سنتين.
■ هل كان لكم تشكيل خاص بكم أم من التشكيلات التي كانت موجودة في ذلك الوقت؟
الأحزاب كانت قد تشكلت، وفي داخل الأحزاب كانت هناك التشكيلات والجبهات.
■ هذه الفترة شهدت كثيراً من المعارك؛ هل تذكرون قصة معينة كنتم قريبين فيها من الأَسر أو قريبين فيها من الاستشهاد؟
بالطبع لدي ذكريات وقصص من فترة الجهاد. ذات مرة تعرضت (طورخم) للهجوم، في ذلك الوقت كنا طلاباً في المدرسة، وشاركنا في الهجوم، دخلنا إلى أفغانستان في منطقة طورخم، كان الهجوم في الليل، واستشهد وأصيب عدد من المجاهدين، وقُتِل عدد من الأشخاص من الطرف المقابل، بقينا هناك لمدة يومين.
كما كنا في ولاية لوجر ذات مرة، واستشهد أخي في السابع عشر من رمضان، كنا في مركز ولاية لوجر.
■ هل بقيتم على هذا الحال فترة طويلة أم انشغلتم بعد ذلك مرة أخرى في طلب العلم؟
عندما بدأت في الدراسة؛ انتهيت من الكتب التي لم أستطع إكمالها في أفغانستان، ثم درستُ في الدورة الصغرى، وهذا هو ترتيب المدارس الدينية في منطقتنا، ثم دخلت في الدورة الكبرى، ثم تخرجت من دار العلوم الحقانية في سنة 1405هـ.ق.
■ بعد تخرجكم، هل عدتم للنشاط مع المجتمع في مختلف الفعاليات أم أيضاً واصلتم في التدريس؟
نعم، بدأت بالتدريس. كنتُ أدرّس في المدارس الدينية المختلفة. في البداية كانت هناك مدرسة أسستها الأحزاب الإسلامية السبعة وكانت تسمى مدرسة (حماية الإسلام والجهاد)، بدأتُ بالتدريس هناك، وبقيت كأستاذ فيها لمدة ثلاث سنوات.
بعد ذلك انتقلت لأدرّس في مدرسة الانصار المعروفة باسم (الجامعة الهدية) في بيشاور وجول بهار، كنت مدرساً هناك، وبقيت كمدرس في المدارس المختلفة بباكستان.
■ هل هناك من قيادات الجهاد -في ذلك الوقت- من درس على أيديكم من الأسماء المعروفة؟
كان هناك عدد كبير من المجاهدين طلبوا العلم عندنا، ومعظمهم استشهدوا.
وفي المرحلة الأخيرة، ظهر بعض قادة الإمارة الإسلامية الذين كانوا من طلابي في المدرسة.
■ هل بقيتم في التدريس أم دخلتم إلى مجال التأليف؟
كنت أدرّس الطلاب وأيضاً كنت مشغولاً بالتأليف. لكن زدتُ في جهد التأليف في السنوات الأخيرة.
■ ما هي المؤلفات التي أصدرتموها؟
في مجال التصنيف؛ أصدرنا (شهاب الباري في شرح صحيح البخاري)، وقد تم نشر حوالي ستة مجلدات منه، وهناك مجلدان آخران جاهزان للطباعة، وما زلت مشغولاً بإتمام باقي أجزاء الشرح، ومن المتوقع أن يصل عدد المجلدات -إن شاء الله- إلى حوالي 16 أو 17 مجلداً.
■ بعد سقوط الاحتلال السوفيتي، وفتح كابل في الثمانينات وبداية الفترة المُسماة بفترة المجاهدين؛ أين كنتم في تلك الفترة؟
في تلك الفترة كنتُ مشغولاً بالتدريس في مدينة بشاور في الجامعة الإسلامية النعمانية، كانت قريبة من منطقة (بورتكال) بجوار مستشفى (شيرباو) في (سبين جومات)، كنت أدرّس هناك عندما انتهت فترة الحكم الشيوعي في أفغانستان وأصبحت دولة مستقلة، واستمررت في التدريس في تلك الجامعة.
بعد ذلك، أسّستُ جامعة دينية في حي الهجرة في مخيم الأستاذ سياف، حيث أسّستُ مدرستي.
■ خلال هذه الفترة، هل عدتم إلى قريتكم ومنطقتكم التي وُلِدتم فيها؟
في ذلك الوقت لم أذهب إلى أفغانستان لأن الوضع لم يكن مستقراً هناك، وبدأت الحروب بين الأحزاب الإسلامية. كانت الأوضاع سيئة للغاية؛ لذا استمررت في الهجرة وبقيت في باكستان. لم يكن هناك أي نوع من الأمن في أفغانستان في ذلك الوقت. كان الوضع سيئاً للغاية في ولاية لوجر، حيث كانت هناك حروب بين الأحزاب المختلفة.
كانت هناك حكومات متعددة في كابل، فكان الحزب الإسلامي في تشاراسيا، وكانت هناك جبهات مختلفة في كابل، مثل: جبهة الأستاذ مزاري، وجبهة الأستاذ سياف، وجبهة مستقلة لمسعود. كانت الأوضاع سيئة للغاية؛ لذا بقي معظم المهاجرين في باكستان، وعاد عدد قليل منهم فقط إلى أفغانستان، وبعد عودتهم كانوا نادمين على قرارهم.
■ بعد أن عمّت الفوضى أفغانستان، ثم جاءت دعوة الملا عمر (رحمه الله) وتأسيس حركة طالبان؛ هل التحقتم بطالبان في فترة التأسيس أم في فترة لاحقة؟
بعدما عمّت الفوضى البلاد وانتشر الظلم؛ اتخذ أمير المؤمنين الملا عمر -رحمه الله- قراراً بالقضاء على الفوضى والظلم والفساد، وقد انضم له عدد قليل من الأشخاص والأصدقاء في قندهار. وعندما وصل الخبر إلينا؛ كنتُ منشغلاً بالتدريس، وكان معي في المدرسة حوالي 700 إلى 800 طالب في المدرسة، وكانت هناك نخبة من المدرسين تقوم بالتدريس معنا، وكنتُ أنا مديراً وكذلك مدرساً في هذه المدرسة. بعد وصول الخبر إلينا؛ حصل اجتماع كبير في بيشاور، من خلاله تم تعيين وإرسال وفد من العلماء مكوّن من 11 شخصاً إلى قندهار ليستطلِع الأوضاع عن كثب وليلتقي بأمير المؤمنين الملا محمد عمر ويعرف من هو؟ ماذا يريد؟ وما هدفه؟ ما هو برنامجه؟ وهل عمله لصالح البلاد؟ فكنتُ عضواً في هذا الوفد، فذهبنا ورأينا الأوضاع في قندهار وكيف أن الأمن والاستقرار قد عادا إليها. في ذلك الوقت، كانت منطقة بولدك تحت سيطرة الطالبان، بينما تجري المعارك في هلمند.
التقينا بالملا محمد عمر -رحمه الله- فوجدناه شخصاً مخلصاً، متديناً، غيوراً، وشجاعاً، وأهدافه كانت واضحة في صالح البلاد والإسلام؛ فبايعناهُ وانضممنا للحركة منذ تلك اللحظة.
في ذلك الوقت، كان أمير المؤمنين الملا أختر محمد منصور -تقبله الله- طالباً عندنا في المدرسة، وكان هناك قادة كُثُر معنا في المدرسة، مثل الملا عبد المنان -رحمه الله- الذي أصبح قائداً عسكرياً شهيراً في هلمند، والذي استشهد في مواجهة مباشرة مع الأمريكيين. كان معنا قرابة 800 طالب في المدرسة، استشهد منهم 600، وربما ما زال الباقون أحياء. جميع الطلاب انتقلوا إلى قندهار وانضمّوا للحركة، وبدأوا بالجهاد.
■ الملا محمد عمر (رحمه الله) في الإعلام العالمي كان شخصية مجهولة، وكثيراً ما يرسم الإعلام حوله الكثير من القصص والأساطير؛ فما هي أحاسيسكم ومشاعركم -بما أنكم كنتم تقابلونه وتتحدثون إليه- بين ما تسمعونه من الإعلام وبين ما ترونه في الواقع؟
أمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد -رحمه الله- كان رجلاً بسيطاً متواضعاً ومخلصاً. عندما كنّا نسأل الناس عن الملا عمر؛ كانوا يقولون أنه يُجسّد الإخلاص بطريقة لا تُضاهى، كما أنه أكثر تواضعاً وأكثر غيرة من أي شخص آخر يعرفونه.
كان ذو صفات عالية جداً من الغيرة والتواضع والشجاعة والتدين والإخلاص، ولم يكن هناك مثيل له في هذا العصر. لقد نشأ يتيماً، وكان الطفل الوحيد لوالديه دون أشقاء، كان يوجد له إخوة من أمه، لكن ليس من والده، وكان قد درس بصعوبات كثيرة، حتى أنه لم يستطِع إكمال دراسته، وكان قد خرج للجهاد وقضى حياته كلها في خدمة الجهاد.
■ هل هناك موقف أو قصة ما زالت عالقة في ذهنكم من خلال لقاءاتكم به؟
عندما ذهبنا إلى قندهار والتقينا بأمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد -رحمه الله- ورأينا شخصيته؛ كان معنا علماءٌ كبارٌ وكانوا جميعاً يؤكدون أن الله -سبحانه وتعالى- اختاره ليُعيد الأمن والحكم الإسلامي إلى أفغانستان. كانت مجالسنا معه مليئة بالبساطة وعدم التكلف. وكان من عادته أنه لا يتحدث كثيراً إلا عند الضرورة. وعندما يتحدث كان يستخدم ألفاظاً عميقة ودقيقة ومختصرة.
■ في هذه الفترة -فترة الإمارة الأولى- هل شغلتم مناصب سياسية أم بقيتم في التدريس والبُعد الشرعي؟
لا، بعد أن بايعنا الملا عمر -رحمه الله- تعاهدنا معه بأننا لن نعود للتدريس حتى يتم استعادة الأمن في أفغانستان وإقامة الحكومة الإسلامية وإنهاء الظلم، ونأخذ بيد المظلومين ونقضي على الفساد. تركنا التدريس في ذلك الوقت وأغلقنا المدرسة. بدأنا بعد ذلك في الكفاح ضد الفساد والظلم، وبدأ فتح الولايات بسرعة كبيرة. تمكّنا من فتح: قندهار، وهلمند، وأروزجان، وفراه، وزابل، وغزني، ولوجر، وميدان شهر.
ومن لوجر امتدّت الفتوحات إلى باكتيا وباكتيكا وخوست. ثم توجّهت حركة طالبان إلى شرق أفغانستان، وفي وقت قصير -يوم أو نصف يوم- سيطروا على ولايات: ننجرهار، وكونر، ونورستان، ووصلنا إلى كابل. كانت الفتوحات سريعة. تمكّنا أيضاً من فتح: هرات، وبادغيس، وخوست، وسيطرنا على جزء كبير من أراضي أفغانستان. كانت إدارة المناطق المفتوحة وتأمين الأمن فيها وضمان العدالة ونصرة المظلومين وغيرها؛ من الأعمال الكبيرة. كل ذلك كان العلماء مسؤولون عنه ويديرونه.
■ بالتالي؛ كان التدريس عندكم -في هذه الفترة- متوقفاً لأنكم مشغولون في تثبيت أركان الإمارة الأولى -إمارة أفغانستان الإسلامية-.
قبل فتح كابل، كان اسم هذه الحركة؛ حركة طالبان الإسلامية. والملا محمد عمر مجاهد كان يطلب من جميع العلماء أن يوقفوا التدريس؛ لأنه كان يخشى من أنّ عودة الطلاب إلى المدارس قد تقوّض جهود الجهاد. كان كل عساكره طلاباً سابقين في المدارس الدينية. تعاهدنا معه على إغلاق هذه المدارس. وأخبَرَنا أنه عندما يعود الأمن والاستقرار إلى أفغانستان سيتم إعادة فتح المدارس وإمكانية التدريس مجدداً.
والآن -الحمد لله- المدارس الدينية في أفغانستان بالآلاف. الوعد الذي أعطانا إياه الملا عمر نراه متحققاً الآن على أرض الواقع. لكن في ذلك الوقت أغلقنا المدارس الدينية وبدأنا في العمل في الحركة.
قال لنا كلمتين: إنكم كنتم تدرّسون لرضا الله -سبحانه وتعالى- والآن أوقفوا التدريس لرضى الله -سبحانه وتعالى- وابدأو في الكفاح من أجل استعادة الأمن للشعب وإعادة النظام الإسلامي وتوحيد الشعب الأفغاني.
القرار الثاني الذي أصدره هو أنه يسمح فقط للمعاقين والأطفال الذين لم تخرج لحاهم بالدراسة، بينما يتم منع الباقين من ذلك، وأخبَرَنا أن العلماء المشهورين لا يمكنهم التدريس؛ لأن عودتهم للتدريس قد تؤدي إلى عودة الطلاب من الجهاد والمكاتب؛ وبالتالي لن يكون هناك شخص يحافظ على الأمن. لهذا السبب -حتى فتح كابل- كانت المدارس تستقبل فقط المعاقين والأطفال الصغار، بينما كان البقية مشغولون في الجهاد.
الذين كانوا مع الملا عمر؛ كانوا من العلماء وطلاب العلم، وكان طلاب العلم أكثر تقرباً إليه حتى من العلماء. آلاف من الطلاب وحفظة القران الكريم عندما سمعوا بوجود قائد يرغب في تحقيق الوحدة والاستقلال واستعادة الأمن ومساعدة المظلومين في أفغانستان؛ تركوا المدارس الدينية وانضموا إليه. واستشهد عشرات الآلاف من الطلاب وحفظة القران الكريم.
تقريباً بعد عامين ونصف؛ تم فتح كابل. الخصوم الذين كانوا يحاربون ضد طالبان وكانوا معروفين بالشر والفساد؛ هربوا من كابل إلى بانجشير وشمال أفغانستان. وفي وقت قصير تم فتح ولايات شمال أفغانستان أيضاً، وبقيت فقط بانجشير وجزءٌ من تخار وبدخشان، وكان 95% من باقي أفغانستان تحت سيطرة الإمارة الإسلامية.عندما كنا نسيطر على منطقة ما؛ كان الأستاذ رباني يهرب إلى منطقة أخرى ويعلنها عاصمة له. في البداية كانت كابل عاصمته. ثم بعد فتح كابل؛ أعلن مدينة مزار شريف كعاصمة. وبعد فتح مزار شريف؛ نقلها إلى تخار. وبعد فتح تخار؛ نقلها إلى بدخشان.
■ هل تولى الشيخ شهاب الدين دلاور منصباً معيناً خلال هذه الفترة -فترة الإمارة الأولى-؟
في تلك المرحلة، كنتُ في مدينة بيشاور، وكان لدينا مكتبٌ هناك، حيث كان يأتي لنا المصابون في الحرب، ومن هناك كنا نرسل الطلاب إلى أفغانستان. وبعد فتح كابل، اتصل بنا أمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد -رحمه الله- كنا في مجلس العلماء، وطلب أن نجتمع في غرفة واحدة للحديث معه، ورفعنا صوت الهاتف؛ فهنّأنا بفتح كابل، ودعا من أجل أن يتقبل الله جهودنا وأن يتقبل الله شهداءنا، ودعا الله أن يساعدنا في إعادة النظام الإسلامي في أفغانستان.
وفي فرمانه الأول؛ طلب من العلماء أن يعيّنونني كقنصل لأفغانستان في بيشاور. فتوجهنا مع العلماء إلى القنصلية في بيشاور، حيث قام القنصل السابق بترك المكتب وسلمه لي، وبذلك أصبحت القنصل العام في بيشاور بأمر من أمير المؤمنين.
في تلك الفترة، كان لدينا مكتبٌ ونوعٌ من اللجنة للعلماء في بيشاور، وكانت للجنة علاقات قوية مع طلاب العلم الذين كانوا متشوّقين للإنضمام إلى الجهاد في أفغانستان، وكنتُ جزءاً من هذه اللجنة كعضو وليس كرئيس.
■ كم سنة بقيتم في القنصلية في بيشاور؟
ما أكملت سنة في قنصلية بيشاور، لأنني ذهبت للحج، وبعد أداء الحج عندما رجعت بالليل؛ اتصل بي أمير المؤمنين وقال اذهب غداً إلى إسلام أباد كسفير. فقضيتُ تقريباً تسعة أشهر قنصلاً عاماً في بيشاور. ثم تم تعييني سفيراً في باكستان.
■ وكم بقيتم سفيراً في إسلام أباد؟
كنتُ سفيراً لسنة في إسلام أباد. وبعد ذلك انتقلت إلى السعودية، وتمّ تعييني سفيراً في الرياض.
■ نحن نتحدث هنا عن أي سنة بالتاريخ الميلادي؟
تقريباً سنة 1998م أو 1999م.
■ هل بقيتم في الرياض إلى الحرب؟
لا، كنت في الرياض ثم توتّرت العلاقات وحدثت بعض المشاكل بين السعودية والإمارة الإسلامية؛ لذلك تم استبعاد سفير الإمارة من الرياض، واستدعاء سفير السعودية من أفغانستان. لم تُغلق السفارة، ولكن العلاقات الدبلوماسية تم تخفيضها من مستوى السفير إلى القائم بالأعمال؛ لذلك عدتُ إلى أفغانستان -بما أنني كنت سفيراً- ورجع سفيرهم إلى الرياض.
وفي الرياض كان يعمل معنا عدد من الأشخاص هم الآن مسؤولون في الإمارة.
■ من قيادات الإمارة من عمِل مع الشيخ شهاب الدين دلاور، ومنهم من كان تلميذاً له، ومنهم من كان مرافقاً له؛ فكيف يؤثر هذا كله على طريقة إدارة الشيخ دلاور للعمل داخل الإمارة؟
حقيقة لقد مضى وقت طويل، فقد تخرجت من المدرسة تقريباً قبل 40 عام. بدأت بالتدريس بعد ذلك. وليس مبالغة أن أقول: أن الآلاف من الطلاب تخرجوا من مدرستنا. والحمد لله، لدي علاقات جيدة مع الجميع، لن تجد شخصاً بيني وبينه مشكله.
كما كنتُ قنصلاً أو في السفارة في الرياض وإسلام اباد، ثم في قطر لأكثر من 10 سنوات، حيث كان معنا عددٌ كبيرٌ من الأشخاص، بما في ذلك الملا عبد الغني برادر -حفظه الله- وعبد السلام حنفي، وآخرون من قيادات الإمارة.
ثم شغلت منصب رئيس محكمة التمييز، ونائباً للقسم القضائي لأكثر من عامين، وكان معنا علماء من تسع ولايات.
مع كل هؤلاء الأشخاص لدي علاقات جيدة جداً، والحمد لله، لم يحدث أي سوء تفاهم أو مشكله بيننا وبينهم.
■ في لحظة الهجوم الأمريكي على أفغانستان في سنة 2001م، وعند الرصاصة الأولى التي أطلقوها على أفغانستان؛ في ذلك الوقت أين كنتم؟ هل كنتم في أفغانستان أم كنتم في باكستان؟
في تلك الفترة كنتُ في قندهار. ومن قندهار انتقلتُ إلى كابل. كنتُ عضواً في الشورى العليا للمحكمة العليا والنائب القضائي. في ذلك اليوم، كان لدينا اجتماع في المحكمة العليا استمر حتى العصر. بعد الاجتماع، بقي بعض الإخوة من القادة في كابل، وأنا ذهبتُ إلى بيتي في لوجر، وإخوتي كانوا هناك، بقيت في الليل هناك. في تلك الليلة، جاء الإعلان عن سقوط كابل.
عندما كنت في قندهار كان القصف متواصلاً وتعطلت أمور المحاكم، فتواصلتُ مع أمير المؤمنين؛ أسال عما ينبغي فعله، وكان جوابه أنه على كل شخص أن يفكر ويقرر بنفسه، وقال: افعل ما تراه مناسباً. وكان هذا يوم شديد على المسلمين.
■ رغم أن هذا الأمر -أن تتخذ ما تراه مناسباً- يراهُ البعضُ توسيعاً على النفس، ولكن أنت تلقيته بالحزن؟
لأن هذا كان معناه: أن طرقنا انفصلت. بعد ذلك لم ألتقِ بأمير المؤمنين مجدداً. بالرغم من ذلك، كان توكله على الله وثقته بالله سبباً في جمع الصفوف وإعلان الجهاد من جديد. وكنّا نتلقى الأوامر ونطيعه. بعد ذلك، بدأ الجهاد وبدأت الإمارة الإسلامية أعمالها بشكل منظم مرة أخرى.
■ هذه الفترة قَسَمَت كوادر الإمارة الإسلامية إلى صنفين؛ كوادر مشغولة بالعمل العسكري الميداني، وكوادر أخرى مسؤولة عن أعمال الإعداد أو أعمال السياسة والإعلام، وربما حتى غادرت خارج أفغانستان. أنتم أين كنتم؟ هل دخلتم في الإطار العسكري أم عدتم إلى إطار الإعداد والتعليم والتدريس؟
الخطة التي رسمها أمير المؤمنين -رحمه الله- كانت خطة ممتازة، حيث تضمّنت إنشاء عدة لجان مختلفة. إحدى هذه اللجان كانت مخصصة للإعلام، وتم تعيين مسؤولين لها، كما تم إنشاء لجنة للحرب والجهاد وتعيين مسؤولين فيها أيضاً، إضافه إلى اللجنة السياسية، واللجنة الإدارية، ولجنة الدعوة والإرشاد، واللجنة الاقتصادية، بالإضافه إلى لجان أخرى مختلفة.
كنت عضواً في اللجنة السياسية. وفي البداية، كنّا أربعة أشخاص في هذه اللجنة؛ الملا عبد الكبير، وأنا، والملا محمد حسن رحماني -الذي كان والي قندهار-، والملا سعيد الرحمن حقاني -الذي كان سفيراً في الرياض بعدي. انتُخِبنا نحن الأربعة من قبل أمير المؤمنين لتولي المسؤوليات السياسية في هذه اللجنة، وكان الملا عبد الكبير رئيساً لها.
■ هل كانت هذه اللجنة تدير الأمور من داخل أفغانستان أم من خارج أفغانستان؟
كانت كل الاختيارات متاحة لدينا، ولم يتم الإعلان عن موقعنا بشكل علني، كنا نعمل في أفغانستان أو في أماكن أخرى، وكان أمير المؤمنين يدير الأعمال السياسية لهؤلاء الأربعة. بدأنا العمل داخلياً وخارجياً من الصفر، وواجهنا العديد من التحديات، وكان الملا عبد الكبير رئيسنا، لهذا السبب أصبح الآن نائب رئيس الوزراء في الشؤون السياسية منذ ذلك اليوم وحتى الآن.
توفي أحد هؤلاء الأربعة؛ الحاج ملا محمد حسن رحماني -رحمه الله- والثلاثة الباقون أحياء. لكن هذه اللجنة لم تكن مقتصرة على هؤلاء الأربعة فقط، بل -مع مرور الوقت وتوسع علاقاتنا- تم إضافة أشخاص آخرين إلى اللجنة، على سبيل المثال: أصبح طيب آغا عضواً فيها، ومعتصم آغا جان، وعباس ستانكزاي، وغيرهم الذين أصبحوا أعضاء في اللجنة، وتوسعت بذلك.
بعد ذلك، بدأت مرحلة المكتب في قطر، حيث كان الإخوة كثيرون هناك، وبدأت المفاوضات. أنا الوحيد الذي بقي في البداية حتى النهاية في اللجنة السياسية. توفي الملا محمد حسن رحماني -رحمه الله- وجاء سيد رحمن حقاني إلى كابل خلال فترة الاحتلال، وتم تعيين الملا عبد الكبير في لجنة أخرى. أنا الوحيد الذي كان في اللجنة السياسية منذ البداية، واستمر هكذا حتى أصبحتُ وزيراً.
■ بعد الإعلان عن وفاة الملا محمد عمر مجاهد -رحمه الله- وتولّي الملا أختر محمد منصور -الذي كان أحد طلابكم في المدرسة- قيادة الإمارة الإسلامية، ماهي أبرز المواقف مع الملا أختر محمد منصور التي يمكن أن تذكرها لنا؟
الملا محمد عمر مجاهد كان يثق بي كما يثق المرء بأخيه، وبنفس القدر كان الملا أختر محمد منصور يثق بي. وجود الملا أختر محمد منصور في مدرستي لا يعني أنه كان يثق بي أكثر من الملا عمر؛ إذ كان كلاهما يثقان بي بشكل كبير.
■ نعم، ولكن العلاقة هنا تختلف قليلاً؛ بكون الملا أختر محمد منصور كان تلميذاً لديكم في فترة ما، وأنتم شيخٌ له.
كان يحترمني بشكل كبير، وكان يتعامل معي كمعاملة التلميذ مع أستاذه، وكان ينظر إليّ نظرة شيخ وأستاذ، ولم يكن يتعامل معي كأنه أميري وأنا تحته، بل كانت علاقتنا مبنية على التقدير المتبادل. تعاملت معه بالإحترام الذي وصفه العباس -رضي الله عنه- حيال النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ قال العباس -رضي الله عنه-: أنا أسنُّ، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكبر مني. وهكذا كنتُ أنظرُ إليه بنظرة تقدير واحترام.
■ متى تشكّلت اللجنة السياسية؟ وكم سنة ظلّ اسمها اللجنة السياسية؟
عندما أعادت الإمارة الإسلامية تنظيم صفوفها في العام الأول بعد الاحتلال الأمريكي؛ تم تأسيس هذه اللجنة، واستمرت في أعمالها حتى فتح كابل. ربما مرّت عليها 20 أو 21 سنة.
■ متى ذهبتم إلى قطر؟ هل فقط في فترة التفاوض أم كان عندكم وجود في قطر في الفترة التي قبلها؛ فترة مكتب التمثيل السياسي للحركة؟
لا، نحن بعدما قويت اللجنة ذهبنا إلى قطر. وبقينا هناك تقريباً 12 سنة.
■ هناك أحاديث عن مرحلة من المفاوضات والرسائل تجري في الخفاء؛ هل هناك موقف -في تلك المرحلة- مازال عالقاً في ذهنكم؟
في البداية، عندما ذهبنا إلى قطر لم تكن هناك مفاوضات مباشرة أو أنشطة معلنة. ولفترة طويلة كنا نعمل على إقامة العلاقات مع مختلف الجهات والدول العالمية ومع دولة قطر، ولكن بشكل غير
دیدگاه بسته شده است.