الغزو الثقافي أشد فتكاً من الغزو العسكري

عبدالله إن الحدود التي يهاجمها العدو ليست مقتصرة على حدود الماء والتراب والسماء، كما أن غزو العدو لا ينحصر في هجومه العسكري، والهزيمة أيضاً لا تنحصر في الخسارة المادية! فالغزو الثقافي أخطر وأشد وطأة من الهجوم العسكري؛ لأن الهدف الرئيس في الغزو العسكري هو احتلال الأرض، أما الهدف الرئيس في الغزو الثقافي فهو هدم الدين […]

info-war

عبدالله

إن الحدود التي يهاجمها العدو ليست مقتصرة على حدود الماء والتراب والسماء، كما أن غزو العدو لا ينحصر في هجومه العسكري، والهزيمة أيضاً لا تنحصر في الخسارة المادية! فالغزو الثقافي أخطر وأشد وطأة من الهجوم العسكري؛ لأن الهدف الرئيس في الغزو العسكري هو احتلال الأرض، أما الهدف الرئيس في الغزو الثقافي فهو هدم الدين والأخلاق.

ففي الغزو العسكري يهاجم العدوّ حدوداً مائية أو ترابية، ولكن في الغزو الثقافي فيهاجم الحدود الفكرية والعقائدية.

والغزو العسكري يكون مصحوباً بالضجيج والضوضاء، ولكن الغزو الثقافي -على العكس من ذلك تماماً- يكون خفياً وهادئاً.

فالأول مخيف ومرعب للغاية، وأما الثاني فمخادع وخبيث.

والغزو العسكري يدفع المرء للدفاع والمقاومة، وأما الغزو الثقافي فسهل التأثير والقبول، وشتان بين قتيلهما، فقتيل الغزو الأول شهيد معزز مكرم ومبجّل، وقتيل الأخير قذر ومنجس.

فالشهادة كريمة ومحببة، والدعارة خبيثة ومتعفنة.

وفي الغزو العسكري يعلن العدوّ عداءه، ولكن في الغزو الثقافي يتظاهر باللطف والمحبة والوداد.

وفي الغزو العسكري يُحسُّ المرء بالخطر المحدق منذ ابتداء إطلاق النيران، ولكن في الغزو الثقافي لا يعرف الكثيرون حجم خطره بل ولا يصدّقون مداهمة العدو، وفتكه بهم مستمر إلى آخر اللحظة.

فذلك واضحٌ وجليٌّ، وأما هذا فسِرّيٌّ وخفيُّ.

وفي الغزو العسكري تُغصب الأراضي والتراب، وفي الغزو الثقافي يُغصب الدين والشرف والخلق والقيم والإنسانية.

وفي الغزو العسكري المواجهة قد تكون مع العدوّ عبر الحدود المائية والترابية، ولكن في الغزو الثقافي تكون مواجهة العدوّ داخل البيوت.

وفي الغزو العسكري يقصف العدوّ ويرمي بالصواريخ، وأما في هذا الغزو ينفث سموم الشك والفتن في القلوب.

والسلاح في الغزو العسكري قد يكون الصاروخ والقذيفة، وأما سلاح الغزو الثقافي يكون الإعلام المرئي والمقروء والمسموع.

ويستهدف الغزو العسكري الثكنات والقواعد العسكرية وخطوط النار الأولى، وأما الغزو الثقافي فيستهدف المدارس، ووسائل الإعلام، والأفكار، والعقائد.

في الأول تكون الاشتباكات في الجبال والصحاري والبحار وميادين القتال، وأما الأخير فتكون المواجهة في خطوط مختلفة كالروايات والقصص والأفلام والكتب.

وفي الأول يكون الغزو محدوداً ومعروفاً ومعلوماً، ولكنه في الأخير يكون حرباً واسعة وخفية، تستهدف العقول سريعة التأثر.

أسرى الغزو العسكري أشراف، محترمون، أحرار، وأسوة حسنة في التاريخ، ويُباهى بهم، ولكن أسرى الغزو الثقافي منحرفون وقذرون وفايروسات للمجتمع.

وجرحى الغزو العسكري تتبيّن جراحهم في الحال فينقلون فوراً من الساحة لتلقي العلاج، ولكن جرحى الغزو الثقافي يظل فايروس الذنوب ينقص من إيمانهم شيئاً فشيئاً دون أن يشعروا.

فجريح الغزو الأول تزداد كراهة العدوّ في قلبه وتنمو فيه المقاومة والمناضلة ويتهيأ للكفاح، ولكن المستهدف في الغزو الثقافي يتجرد من السلاح، ويصير بلا هدف فيضل.

الغزو العسكري يدفع الشعب للدفاع والمقاومة، ويرفع معنوياتهم لصد هجوم الأعداء، ولكن الغزو الثقافي يوهن ويضعف عزيمة الشعب؛ لأن الأول تُطلق فيه نيران المدافع والصواريخ والقذائف، وفي الثاني تُبث الأغاني الماجنة والإيقاعات والموسيقى.

وخط عبور الغزو العسكري مرتفع ووعر وخطير، وأما خط عبور الغزو الثقافي فسهل وخلاب وبراق.

في الغزو العسكري يضحي المسلمون بالنفس والنفيس ليصلوا إلى الله، ولكن في الغزو الثقافي فيبتعدون عن الله ليصلوا إلى أنفسهم وأهوائهم.

فلنحذر كل الحذر لكي لا نكون من جرحى أو قتلى أو أسرى الغزو الثقافي الدنيء.