محن المجاهدين في ليالي مظلمة

  الكاتب: منير أحمد منير تعريب: أحمد القندوزي كان العدو المحتل أكثر تركيزًا على المداهمات والهجمات الليلية ضد المجاهدين، خاصة في الليالي المظلمة، لأنه كان يستخدم الأسلحة المتقدمة بما في ذلك البنادق الهجومية المزودة بمناظير ليزر ونظارات ليلية ، وبإمكانه تعقب المجاهدين واستهدافهم بكل سهولة في عتمة الليل، بينما لم تكن لدي المجاهدين أسلحة متطورة […]

 

الكاتب: منير أحمد منير
تعريب: أحمد القندوزي

كان العدو المحتل أكثر تركيزًا على المداهمات والهجمات الليلية ضد المجاهدين، خاصة في الليالي المظلمة، لأنه كان يستخدم الأسلحة المتقدمة بما في ذلك البنادق الهجومية المزودة بمناظير ليزر ونظارات ليلية ، وبإمكانه تعقب المجاهدين واستهدافهم بكل سهولة في عتمة الليل، بينما لم تكن لدي المجاهدين أسلحة متطورة ، ولا بإمكانهم تنفيذ هجمات ناجحة ضد العدو. فكان ظلام الليل من أخطر الظروف على مجاهدي الإمارة الإسلامية.

وكان على المجاهدين أيضاً أن يقوموا بتغيير مكان إقامتهم عدّة مرات في ليلة واحدة وأن لا يناموا مُرتاحين، حفاظًا على أرواحهم واتخاذًا لإجراءات أمنية إضافية.

في بعض الأحيان؛ كنا نؤدّي صلاة المغرب في مكان، ونتناول طعام العشيِّ في مكان آخر، ثم نقوم بمغادرة ذلك المكان بسريّة تامة ونختار ساحة أخرى للنوم، وأحيانًا نقسم النوم في نفس الليلة إلى عدة أجزاء وفي عدة أحياء ، كإجراء احترازي ضد جواسيس وأخذ الحذر والحيطة من طائرات العدو.

لقد كنت أعرف مجاهدًا يتوجّه إلى الصحاري بعد غروب الشمس لاتخاذ الإجراءات الأمنية، ويركب سيارته ويمشي بها عدة ساعات، حتى يصل إلى وسط الصحراء ويبيت هناك، ثم يعود إلى المنطقة قبل طلوع الشمس حتى لا يعرف أحد هذه الحيلة له، ولا يخلق له مشاكل.

إن المجاهدين البواسل في هذا البلد تركوا تاريخًا مليئًا بالشجاعة والاستقامة بتضحياتهم التي لا مثيل لها، وسجلوا بالذهب أروع دروس من الخبرة والفداء والوفاء والصمود للتاريخ.

أتذكر الليلة التي تناولنا فيها العَشاء في منزل أحد الأصدقاء ، ثم حمل كلُّ واحد منا فراشًا صغيراً ومشينا على الأقدام بأسلحتنا إلى السهول والصحراء حتى وصلنا إلى مقبرة، وفي وسط المقبرة كانت بعض القبور محاطة بأسوار صغيرة، نحن أيضًا كنا مُتعبين ووجدنا الجدران مناسبة لحمايتنا من الهجوم المحتمل للأعداء ؛ لذلك استقرنا هناك وبسطنا أفرشتنا على جوانب القبور ، وكنا دائمًا لا نحضر فراش نفر معنا، حتى يبقىٰ أحد منا مستيقضًا ويحرس الآخرين ؛ لذلك تناوب الإخوة المجاهدون على الحراسة ، واسترح الباقون إلى الصباح.

أتذكر جيداً أن أحد أصدقائنا كان قد حلَم في تلك الليلة ؛ وهو أنه يستلقي على سريره بعد أداء نوبته من الحراسة، وينظر إلى السماء ونجومها، ثم يتمنّىٰ في قلبه الجنّةَ ونعيمها: كيف هي الجنة؟ فإذا تغلبه عينه وينام، فيرى في المنام شخصًا يمسكه بيده ويصعد به إلى السماء، ثم يُرشده فيها إلى قصر جميل رائع…

نعم إن المجاهدين الأبطال في هذا البلد قد عاشوا في المحن والبلايا، ومروا بليالي صعبة جداً، وشعبنا الأبي قضى ليالي أكثر صعوبة، ولقد تعرض لكافة أنواع الإهانات والشتائم ، لكنه تحمّل وصبَر على كل هذه الشدائد والمظالم، وبقي إلى الأبد متضامنًا وداعمًا للمجاهدين..
وان المجاهدين أيضاً لم يظلموا المواطنين أبداً، ولم يستخدموا القوّة ضدّهم، ولم يطلبوا منهم الإقامة بمنازلهم قهرًا وقسرًا -كما يروِّجه أعدائنا اليوم وينشرون الشائعات والأكاذبب للتضليل وتشويه صورة المجاهدين-
بل إنّ الإيثار والوفاء والتضحية من الشعب هي التي دفعت المجاهدين إلى الأمام يومًا بعد يوم، وإن التعامل الراقي من المجاهدين مع الشعب جعله أن يتعاطف ويساهم بكل رغبة في النضال والجهاد معهم ضد الاحتلال والشر والفساد.