وسيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه

بقلم: عماد الدين الزرنجي إنّ تاريخ أفغانستان المشرق يذكّرنا بماضٍ مجيد وعظمة فريدة قلما توجد في تاريخ الشعوب والملل، ماضٍ يحمل في طياته مجداً وازدهاراً جعل هذه البلدة الطيبة صامدة أمام السيول الجارفة والأعاصير الفتاكة. تاريخ بلدنا الحبيب سجّل في صفحاته ذكريات جميلة وبطولات رائعة ومفاخر استعصت الحصر. فقد كانت أفغانستان قديماً جامعة لروّاد العلم […]

بقلم: عماد الدين الزرنجي

إنّ تاريخ أفغانستان المشرق يذكّرنا بماضٍ مجيد وعظمة فريدة قلما توجد في تاريخ الشعوب والملل، ماضٍ يحمل في طياته مجداً وازدهاراً جعل هذه البلدة الطيبة صامدة أمام السيول الجارفة والأعاصير الفتاكة.

تاريخ بلدنا الحبيب سجّل في صفحاته ذكريات جميلة وبطولات رائعة ومفاخر استعصت الحصر. فقد كانت أفغانستان قديماً جامعة لروّاد العلم والدين والحركة والجهاد، الذين جسّدوا أغلى معاني التضحية والرجولة والمروءة والسعي الحثيث لسعادة البشرية، وأبوا أن يخضعوا للظلم والاحتلال والركون إلى طغاة الشرق والغرب، فكانوا في صراعٍ دائم مع المحتلين والظالمين الذين يريدون في الأرض علواً وفساداً.

هؤلاء الأبطال والغيارى الأباة بعاطفتهم الجيّاشة، وقلوبهم السليمة النّقية وإيمانهم الصحيح وعزمهم النّادر، قدموا للبشرية نماذج من أصحاب القلوب الحية السليمة التي تتألم بألم الناس وتسعد بسعادتهم.

التاريخ الأفغاني يذكّرنا أن أفغانستان في سالف عهدها أنجبت شخصيات إسلامية فذّة، وعباقرة فريدون، وحركات قوية، يشتاق الإنسان إلى عودتها ومرافقتها.

لم تنشأ هذه المفاخر والتراث المجيد في القصور الشامخة، وبين الأموال الضخمة ووسائد الحرير، ونضائد الديباج؛ بل نشأت على أيدي رجال عاشوا في الأكواخ وتحت وطأة الحياة الصعبة.

ما أجمل هذا التاريخ الرائع، وكم نتلذذ بتصفح صفحاته المشرقة. إن هذا التاريخ يحكي لنا أن أبناء هذه التربة الحبيبة كانوا ملجأ المضطهدين والمظلومين في البلاد المجاورة، فكان المظلومون ينتظرون قدوم الجيش الأفغاني الضخم لعونهم.

لاشك أن الشعب الأفغاني حصل على هذه العزة والمجد بالانضواء تحت راية الإسلام والانصهار في بوتقة تعاليمه والتفاني في سبيله والحفاظ على صفات الرجولة والمروءة والتمسك بها، ولكن مع الأسف اجتمعت عوامل عديدة، وأيادي أثيمة خرقاء، وعقول خربة، على توريط هذا الشعب والإطاحة بصرحه الشامخ ومكانته القيادية السامية.

وإن هذا الشعب -رغم مخططات الأعداء الخبيثة مضى إلى الأمام مخترقاً العوائق والحواجز، غير مبالٍ بالعثرات. ولكن يؤسفنا أن قلة قليلة من المنافقين والسذج المغترين بوعود فارغة ركنت للغرب ومهدت الطريق لاحتلال أفغانستان.

أفغانستان اليوم أسد وقع في سجن الخونة ووقع تحت مخالبهم. أفغانستان صارت أسيرة تحت حكم أشباه الرجال الذين يسوقونها نحو الفساد والهلاك. أفغانستان اليوم وقعت بأيدي أفراد وجماعات منطلقين في سباق رهيب لإحراز أكبر حظ مستطاع من حطام الدنيا وذلك بجرّ البلد نحو الفساد.

إنني كلما أتفكر في قضية احتلال أفغانستان والفساد الموجود بها بسبب هذا الاحتلال، ازداد إيماناً في قول الله تعالى على لسان ملكة سبأ: (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها)، فمن يتأمل في إنجازات الدولة العميلة يرى فساداً مستشري شاملاً متغلغلاً في أحشاء المجتمع الأفغاني. فسادٌ عريض بُذرت جذوره بأيادي المحتلين والطواغيت. فساد إثر فساد في الأخلاق والاقتصاد والمعاشرة وغير ذلك.

والفساد الأخلاقي يقضي على جميع المفاخر والمنجزات العلمية والثقافية والحضارية، إقرؤوا معي كلمة الأستاذ السيد أبو الحسن الندوي رحمه الله في هذا الشأن: (إن التاريخ الإنساني يدل دلالة واضحة على أنه لما غرقت سفينة الحياة لفساد أخلاق الناس، وسيئات أعمالهم، غرقت بكل ما فيها من مجموعة بشرية، ورصيد حضاري، ومحصول فكري، وإنتاج علمي وفلسفي، وبكل ما فيها من روائع الشعر والأدب والبيان، وإن هذه السفينة لم تغرق أبداً من أجل الانحطاط الأدبي، وقلة المدارس والجامعات وفقدان التعليم العالي أو من قلة المال وانخفاض مستوى المعيشة، إنها غرقت؛ لأن الإنسان أعدّ نفسه للانتحار، إنه صار معولاً هداماً لذلك البناء الذي فيه فيه متاعه وأهله){ مقالات حول السيرة النبوية،ص 88}.

كم من المغتربين الذين يغضون طرفهم عن هذا الفساد وما يؤول إليه من خسائر مادية ومعنوية؛ بل يمدحون تصرفات الدولة العميلة وذلك لتأثرهم الشديد ببعض الإمكانات المادية التي أنجزها المحتلون وإيمانهم العميق بالماديات. كفى بالاحتلال جريمة وقباحة وخزياً هذا الفساد المفسد.

ورغم المحاولات الحثيثة لإفساد هذا الشعب، ورغم وقوع بعض الناس في شبكة إعلام الغرب، لازالت هنالك رايات خفاقة، تحركت لنصرة الإسلام، والتجديف بسفينة المسلمين في هذه الديار إلى شاطئ الأخلاق الحسنة والعقيدة الصحيحة. ولا زال هنالك جيش إيماني يقاتل في سبيل الرحمن، وقمع الظلم والفساد والطغيان، ويسعى جاداً أن يوطد صلة الشعب الأفغاني بماضيه النيّر.

إننا ننشد ذلك اليوم الذي يتحقق فيه النصر بأيدي هؤلاء الأبطال، ويُقمع فيه الفساد الأخلاقي. وستتجاوز أفغانستانن كما تجاوزت سابقاً، هذه المرحلة العصيبة الرهيبة، وستمضي إلى الأمام لكي تحيا تاريخها المجيد مرة أخرى، وستنجو من هذا الذل والعار، وستكون حسرة على الأعداء نفقاتهم في هذا البلد، وسيُقضى على الخونة والمنافقين، وسيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه. وما ذلك على الله بعزيز.