شهداؤنا الأبطال: الشبل الباسل والشهيد الشجاع في ذمّة الله

تتقاصر الكلمات وتتلاشى الحروف في حضرة الشهداء العظام بين جنبات صنيعهم، وما قدّموه للإسلام من الغالي والنفيس ومُهج الأرواح، فمن تعب الأيام إلى سهر الحراسة إلى مقارعة الاحتلال هي حكاية الشهيد البطل، والشبل السيّاح محمد نعيم بن الملا محمد كريم رحمه الله.   الميلاد والنّشأة: ولد الشهيد محمد نعيم بن الملا محمد كريم رحمه الله […]

تتقاصر الكلمات وتتلاشى الحروف في حضرة الشهداء العظام بين جنبات صنيعهم، وما قدّموه للإسلام من الغالي والنفيس ومُهج الأرواح، فمن تعب الأيام إلى سهر الحراسة إلى مقارعة الاحتلال هي حكاية الشهيد البطل، والشبل السيّاح محمد نعيم بن الملا محمد كريم رحمه الله.

 

الميلاد والنّشأة:

ولد الشهيد محمد نعيم بن الملا محمد كريم رحمه الله عام 1375 هـ.ش في ولاية غزني بمديرية قره باغ سربوست، في أسرة محافظة وملتزمة بشعائر الإسلام الحنيف، ونشأ وترعرع على حب الجهاد في سبيل الله والحنين إلى الشهادة والجنة، شأن معظم الأسر الأفغانية المسلمة المجاهدة.

 

التعليم:

أبناء الأفغان يحبّون العلم منذ الصغر، لأنّهم يعرفون منزلته، ويؤمنون بالأحاديث التي حرّضهم النبي صلى الله عليه وسلم فيها على تلقّيه، وأن النبي (صلى الله عليه وسلم) جعل الخير متوقفاً على العلم، فقال -كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم-: من حديث معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) والفقه هذا هو العلم الشرعي. بل جعل صاحبه بمنزلة المجاهد في سبيل الله، لما روى أنس فقال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع) رواه الترمذي.

فضلاً عن أنه الطريق الموصل إلى الجنة، قال نبينا (صلى الله عليه وسلم): (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده) رواه الإمام مسلم.

ولهذا الفضل أثره العظيم وخيره الجسيم في أن بادر شهيدنا بتلقي العلوم الابتدائية في مسقط رأسه، ونهل من مشايخ قريته العلم والنّبل والجهاد وفضله في آنٍ واحدٍ، ثم أخذ طريق الهجرة لنيل العلوم المتوسطة، فسلك طريق كويته بدار الهجرة للنهل من العلوم العذبة على أيدي العلماء الراسخين، وأخذ قسطاً وافراً من العلوم، إلا أنّ شوقه لدروب الجهاد طالما تغلب عليه وعلى كثير من الشباب عندما يرون بلادهم ترزح تحت وطأة الاحتلال، فيكتفون بقدر يضيء لهم الطريق، ولا يريدون أن تتأرجح أكتافهم وتتثاقل بكثيرٍ من العلم حتى لا تعوّقهم عن مناهم وأملهم في الجهاد في سبيل الله ونيل الشهادة في سبيل الله.

 

صفاته وأخلاقه

تعلق محمد بوالده بشكل لافت، حيث كانت علاقته به متينة، لأنّه من المجاهدين السابقين ضد الغزو السوفيتي لأفغانستان والذي لم يرض لابنه إلا أن يكون مجاهداً مغواراً يذود عن حمى وطنه بكل ما أوتي من قوّة إرضاءً لدين الله سبحانه وتعالى وطلبا للمثوبة من عنده، فربّى ابنه على حب الجهاد لا ليكون رئيساً أو وزيراً في قادم الأيام؛ بل ليكون تاج وقار له في جنة عرضها السماوات والأرض، ولكي يؤدي دوره البطولي شأن سائر الآباء الذين يربون أولادهم على العز والإباء.

واكتسب شهيدنا المغوار رضا الوالدين، وقد جمع من خصال الأدب والبر والتواضع والرفق وصلة الأرحام والإيثار، وإغاثة الملهوف، ومساعدة الضعفاء، وكان يمثل الذراع الأيمن لأبيه في كل مجالات الحياة.

كَان رحمه الله تعالى للأجانب من المؤمنين وَدِيدًا ، وعلى الأقارب من العملاء والخونة شديدًا، أنموذج صادق لهذه الآية الكريمة: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [سورة المجادلة].

وكان شهيدنا قد جمع شمائل الأخلاق، كما تمتع بالشجاعة ورباطة الجأش رغم صغر سنّه، ويظهر في ساح الوغى كليث مقدام يثب لفريسته، يشهد بذلك كل من ساهم معه في الغزوات والعمليات المباركة.

 

الأسرة المضحية:

لم يكن الشهيد محمد نعيم رحمه الله الشهيد الأول لأسرته ولن يكون الأخير بإذن الله، بل كان خاله الشهيد خليل تايب رحمه الله من المهندسين للمتفجرات الذين دوّخوا الأمريكان وعملاءهم بألغامهم، وألهب الأرض من تحت أقدامهم، بل وجهنّما تحرقهم وتشوي نعوشهم النتنة.

أجل؛ فالمجاهدون منذ أن استخدموا العبوات الناسفة في حروبهم، باتوا أكثر حظاً في التفوّق أمام العدوّ المدجج بالسلاح، أمام العدوّ الذي لا يتقدّم إلا في ظلّ الطائرات والنفّاثات، وهكذا استخدم الشهيد خليل تائب هذا السلاح النّاجع، وأذاق أعداء الله الأمرّين واصطاد منهم ما الله به عليم، فما قتله من جنود العدو لا يُحصى ولا يُعدّ، وأجره باقٍ إلى قيام الساعة بإذن الله؛ فإنه ربّى رجالاً يتقنون حرفته، وبعدما أثلج صدره من الضرب والتنكيل في أعداء الله، اصطفاه الله سبحانه وتعالى شهيداً، وهنا لم يكن لشهيدنا محمد نعيم إلا أن يأخذ سلاح خاله، ولا يتركه على الأرض، فودّع مدرسته الحبيبة، وودّع أقرانه وأصدقاءه، ودخل غمار المعارك من معركة إلى أخرى ومن عملية إلى عملية، وكان خير خلف لخير سلف، وضرب أروع الأمثلة في البطولة والإباء حتى آن أون الاستراحة من تعب الدنيا وعنائها، فطارت روحه إلى بارئها، في ليلة الجمعة 14 من جمادى الثانية 1439 هـ.ق، عندما ناضل أعداء الله وجهاً لوجه، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.

 

الأب المجاهد الصابر المحتسب:

يقول الشيخ أحمد مختار رئيس تحرير مجلة الصمود: (لم يمضِ على زواج ابن أخي الشهيد رحمه الله إلا سنة واحدة، فأردتُ أن أعزي أخي بالصبر والسلوان بعد استشهاده وأصبّره بأنّ الشهادة فخارٌ للمؤمن، فقال لي صابراً وبشجاعة فائقة: أتأسف على أن 3 من أبنائي الآخرين صغار، فما رأيتُه من العزّ والفخار في استشهاد بُنيّ محمد نعيم، لو كان أبنائي الآخرين شباباً لأرسلتهم جميعاً إلى ساحات الجهاد).

 

 تهنئة وتعزية:

إننا جميعاً في إدارة مجلة الصمود، نهنّئ الشيخ أحمد مختار حفظه الله – رئيس تحرير مجلة الصمود – وأسرته المجاهدة ونعزيه على استشهاد الشهيد الباسل محمد نعيم رحمه الله تعالى، ونسأل الله تعالى أن يتقبله ويسكنه فسيح جناته، وأن يجعل جهاده خالصاً لوجهه الكريم، وأن يصبّر أهله وأحبابه ويحسن عزاءهم.

وستبقى دماء شهدائنا نبراساً في طريق تحرير أفغانستان المحتلة بإذن الله.