شهداؤنا الأبطال: لمحة من حياة الشيخ عبد الله الذاكري رحمه الله

بقلم: حبيبي سمنجاني   منذ فترة طويلة والمسلمون يعانون من الاختبارات الصعبة، ووقعوا في فخّ الاستعمار والاستثمار العسكري والسياسي والفكري والاقتصادي بعد انتعاش أروبا في هذا المضمار وتقدّمها في هذا المجال، ولكن في هذه السنوات الصعبة لم يكن جميع أبناء المسلمين في سبات وغفلة، بل كان فيهم العلماء والمفكرون والمجاهدون والكتّاب و… الذين طار النوم […]

بقلم: حبيبي سمنجاني

 

منذ فترة طويلة والمسلمون يعانون من الاختبارات الصعبة، ووقعوا في فخّ الاستعمار والاستثمار العسكري والسياسي والفكري والاقتصادي بعد انتعاش أروبا في هذا المضمار وتقدّمها في هذا المجال، ولكن في هذه السنوات الصعبة لم يكن جميع أبناء المسلمين في سبات وغفلة، بل كان فيهم العلماء والمفكرون والمجاهدون والكتّاب و… الذين طار النوم من أجفانهم، ووقفوا نفوسهم وأعمارهم لمكافحة الغرب والكفر العالمي.

وأحد هؤلاء العمالقة، الشيخ المجاهد، والزعيم الحنون الشيح عبد الله الذاكري رحمه الله، ذلك الأسد الهمام الذي أدّى دوره الديني والريادي لإيقاظ المسلمين وإرشادهم، ونبّه المسلمين من مؤامرات الكفار ومطامعهم وضلالاتهم، قضى عمره في العلم والتعليم والتأليف والجهاد والإصلاح ومختلف أعمال الخير، ومقاومة الطغيان والفساد والإفساد والإلحاد والردّة.

فلو ألقينا نظراً إلى أفغانستان، والشخصية المثالية، والمكافح الأبي، والقائد الجليل الخلوق الشيخ عبد الله الذاكري رحمه الله، نراه كأسد هصور مقدام، وأدّى دوره المثالي منذ احتلال الشيوعيين إلى احتلال أمريكا ثم هزيمتها في أفغانستان، وأدى مسؤوليته الدينية لإيقاظ المسلمين وإرشادهم على الوجه الصحيح والأحسن، ونبّه المسلمين من دسائس الكفّار وخططهم، وإن مواقفه الجهادية والدعوية أقضّت مضاجع الكفّار فلم يروا إلا أن يقتلوه غدراً.

 

الميلاد والنشأة

ولد شيخ الشهداء عبد الله الذاكري رحمه الله بتاريخ هـ. ق ( ۱۹۳۴م )

في منطقة ذاكر شريف بمدينة قندهار لأسرة ملتزمة محافظة على دينها، وترعرع وسط عائلة تحث أبناءها على الالتزام والانضباط، فأبوه الشيخ نظام الدين وجدّه الشيخ خير الدين رحمهم الله.

وكانت هذه الأسرة أسرة اشتهرت بالعلم والمعرفة كابراً عن كابراً وأباً عن جد، وكان الشهيد منذ طفولته مرهف الحس والذكاء، بدأ نهل العلم منذ أن كان عمره 4 سنوات، وبعد مدّة رحل لنيل العلوم وعلاوة على مدارس قندهار، اكتسب العلوم في مدارس غزني، ثم رحل إلى بلوشستان، وتخرج من العلوم وله من العمر 21 عاماً، ووضعت على رأسه عمامة الشرف بيد خيرة علماء قندهار آنذاك.

 

التعليم، والسلوك والإحسان:

وكما أنّ عائلة الذاكري رحمه الله روت ببركاتها العلمية الناس، فقد خدمتهم أيضاً في مجال السلوك وإصلاح النفس. وبعد تخرجه رحمه الله همّ بالإصلاح وموعظة الناس، ويقال بأن الذاكري أول شخص التحق بجماعة الدعوة والتبليغ التي أسسها الشيخ إلياس في الهند ودعى جماعة منهم إلى قندهار، ووثق الناس بهذه الجماعة بعدما أزال الذاكري رحمه الله الشكوك بدعوته هذه الجماعة إلى قندهار، ولم يكتف بهذا بل سمى مدرسته باسم الدعوة والتبليغ.

وأسس مدرسة أخرى في منطقة دروازه كابل في مدينة قندهار، وخدم فترة غير قصيرة في تلك المدرسة وكان العلماء النوابغ يُدرّسون في تلك المدرسة كالشيخ محب الله آخونزاده، والشيخ عبد الغفور السناني، والشيخ محمد رسول آخونزاده، والشيخ عبيد الله رحمهم الله، وكان عدد الطلاب 500 طالب، وزهاء 130 منهم كانوا في دورة الحديث (الشهادة العالمية الثانية).

وكانت المدارس الدينية تعاني الظروف الحرجة في عهد ظاهر شاه وداود خان، إلا أنّ الشيخ الذاكر رحمه الله استمرّ في نشاطاته ولم يوقفها في ثورة 7 ثور، وأشاع العلم وخدم خدمات جليلة في الظروف العصيبة.

 

ثورة الشيوعيين واعتقال الشيخ الذاكري رحمه الله:

ثورة ثور (بالدرية: إنقلاب ثور، بالبشتوية: د ثور انقلاب) هي ثورة قادها الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني ضد نظام الرئيس الأفغاني محمد داود خان في 27–28 أبريل 1978. كانت الحكومة في ذلك الوقت تحت قيادة داود، الذي كان قد أطاح قبل ذلك بابن عمه الملك محمد ظاهر في 1973. “ثور” هو الاسم الداري للشهر الثاني من التقويم الفارسي، الشهر الذي وقعت فيه الثورة.

وفي الخطوة الأولى استهدف الشيوعيون العلماء وأهل العلم والمدارس، واعتقل الشيخ الذاكر رحمه الله مع آلاف العلماء الآخرين، وأغلقت مدرسته، فقضى نحو 40 يوماً في سجن قندهار، ثم أطلق سراحه، ولكن بعد مدّة قصيرة اعتقل ثانياً، فقضى أكثر من 10 شهور خلف قضبان الألم في قندهار وكابل.

وقد أعلن ما كان يراه حقاً في السجن ولم يخرس تجاه الباطل، يقول القاضي عبيد الرحمن الذي كان سجيناً مع الشيخ في سجن قندهار: كنتُ أسيراً في سجن قندهار، وكان القتل والشنق والتعذيب أمراً روتينياً للجنود الشيوعيين، وكان الجندي العادي يقدر بأن يقتل من يشاء، وسيطرت الوحشية في السجن، لم يكن يقدر أي أحد بأن يرفع صوته، أو يتكلم أمام القتلة المجرمين، وذات يومٍ أدخلوا سجيناً كان يشجّع الأسرى والمسجونين، وغيّر فضاء السجن، كان هذا الشخص الشيخ عبد الله الذاكري رحمه الله، قد عذّبوه عذاباً شديداً، وكانت يداه في الأغلال، ولكنه في هذه الحال كان يرد على الشيوعيين، ويخاطبهم بالكفار وعبيد السوفييت، وكان يصرح بالجهاد، ويخاصم هؤلاء ويهددهم، وقد سعى الشيوعيون بأن يسكتوه إلا أنهم عجزوا عن ذلك، لو هدّدوه بالموت لقال يا مرحباً بالشهادة في سبيل الله، وكان الناس لا يصلون قبل ذلك خوفاً من الشيوعيين، ولكن بعدما جاء الذاكري رحمه الله أذّن لأول مرة في السجن، وبدأ بالصلاة جماعة، واقتدى به فريق من الأسرى.

يحكي الشيخ موقفاً آخر من شجاعة الذاكري رحمه الله فيقول: ذات مرّة استدعى المسؤولون الكبار بما فيهم الوالي الشيوعي المهندس ظريف وعدد من الوزراء واقترحوا على الشيخ بأن يتنازل عن مواقفه الجهادية، فيدرّون عليه الأموال، ويقلدونه منصب وزارة الأوقاف، ويعطونه سيارة و حراسة خاصة له، إلا أنّ الشيخ قال في جوابهم: لو كنتم متعهدين بالإسلام، وتذعنون برسالة النبي صلى الله عليه وسلم وزعامته، وتقبلون بأن تكون قبلتكم بيت الله الحرام، لستُ أناً وحيداً بل الشعب يحميكم، أما لو كان زعيمكم لينين، وتكون الشيوعية عقيدتكم، وقبلتكم موسكو فالجهاد يتعين علينا ويصير فرض عين، فلو كفّ الشعب الأفغاني عن جهادكم، ستجاهدكم صخور هذه البلاد وجبالها وأحجارها؛ لأنّ هذه الأرض إسلامية ولا تقبل النظام الكفري أبداً.

لم يكن يظنّ أحد بأن يطلق سراح الشيخ الذاكري رحمه الله وله مثل هذه المواقف الجريئة، إلا أنّ الله سبحانه وتعالى أنجاه من بطش الشيوعيين، فسلك طريق الهجرة من قندهار إلى بلوشستان بكويته في 26 من جدي عام 1358 هـ.ش

يتبع……