كلمات مبعثرة عن الشهداء(٥)

غلام الله الهلمندي   لیت شعري ما هو السرّ الکامن وراء الاستشهاد؟ ما الذي یحبّب الشهید عند الناس من أول قطرة دم تسیل علی الأرض؟ ما الذي یُدخل الشهید في قلوب الناس إدخالا من الفور بعد الإستشهاد؟ لماذا ینظر الناس إلی الشهید کشخصیة مقدّسة، في حین أن الإنسان لا یخلو عن الأخطاء في حیاته، ولو […]

غلام الله الهلمندي

 

لیت شعري ما هو السرّ الکامن وراء الاستشهاد؟ ما الذي یحبّب الشهید عند الناس من أول قطرة دم تسیل علی الأرض؟ ما الذي یُدخل الشهید في قلوب الناس إدخالا من الفور بعد الإستشهاد؟ لماذا ینظر الناس إلی الشهید کشخصیة مقدّسة، في حین أن الإنسان لا یخلو عن الأخطاء في حیاته، ولو کان شهیدا. أسئلة تدور في رأسي، ولکن لا أجد لها جوابا، مهما أبحث عنه في قاموس معلوماتي المتواضعة. أظن أن کُنه الجواب لیس من جنس ما یعهده ویعرفه الناس. قد یکمن الجواب في “عالَم الغیب”، لیس في هذا العالم. حینما أستذکر رفاق دربي الذین استشهدوا، وحینما تدور ذکریاتهم في خاطري، تثور مشاعري وأشعر وکأن قلبي مفعم بالسرور، ونفسي مملوءة بالسعادة، ولساني ناطق بالشکر. کلما نتذکرهم یتجدد العزم فینا علی مواصلة دربهم وجهادهم، ونضالهم.‌ إن ذکری الشهداء تنفخ فینا روحا جدیدة، وتبعث فینا العزائم، وتعید إلی النفوس الأمل، وتحدو بنا إلی مواصلة طریقهم، فلا شك أن تاریخ شهدائنا من أروع وأجمل أدوار تاریخنا. إن تاریخ شهدائنا یجب أن لا یُنسی أبدا، فإنهم هم الذین صنعوا تاریخنا المجید، صنعوا الانتصار والظفر في کل معرکة.

نستحضر بطولات شهدائنا دوما لتظل صورة بطولاتهم حیة في قلوب أبنائنا، وراسخة في أذهان الأجیال القادمة، وضربَ مثلٍ في التضحیة والفداء والإباء، ومدرسةً في حب الإسلام والشریعة والوطن والاستقلال. لن ننسی فضل شهدائنا علینا مادام فینا عرق ینبض، ولن ننسی بطولاتهم الفذة وتضحیاتهم العظیمة أبدا، لن ننسی قطرات دماءهم التي لا تخلو منها بقعة في التراب الأفغاني ،‌ لن ننسی أشلاءهم التي تطایرت في معرکة الجهاد والتضحیة والبذل والعطاء، حفاظا علی دین الله، وثباتا علی الحق، وإرضاء لله تعالی.

ما أجمل الشهادة! وما أعظم الشهید! تقف الحروف إجلالا واحتراما للشهید. ما أکرم الشهید! الشهید الذي تبدأ کرامته عند الله تعالی قبل أن یفارق الروح الجسد، لا یحب الله أن یتألم الشهید في لحظة الاستشهاد، لا یتألم الشهيد، إنما یشعر قرصة کقرصة النمل ولا غیر، (سبحان الله) حسبُه الألم الذي أصابه في المعرکة من التعب والسهر، والجوع والعطش، وفراق الأم والولد، وفراق الأهل والوطن، لعلكم رأیتم بعض الشهداء یبتسمون وهم یحتضرون، لماذا؟ لأنهم یرون مقاعدهم من الجنة.

الله أکبر! لو علمتِ یا أم الشهید! کیف یکرم الله ابنك، لأقمتِ احتفالا بمناسبة استشهاده شکرا وفرحا، إن الشهادة دون شك اعتزاز ومنحة إلهیة واصطفاء إلهي للشهید ولأمه ولأبیه ولإخوته ولزوجته، ولسائر أسرته.

إن الشهداء هم مصدر الفخر، ومصدر العزة التي وصف الله بها المؤمنین، “ولله العزة ولرسوله وللؤمنين” نعم إنهم هم الذین یرفعون الإسلام والمسلمین إلی أوج العزة والکرامة والشرف. وهذا لأنهم یرحلون کیلا یرحل الوطن، إنهم یموتون کیلا یموت الإسلام، إنهم یتعبون کیلا تتعب الأمة، إنهم یضحّون بنومهم حتی ینام المسلمون نوما هادئا، إنهم یضحون بأمنهم کیلا یصاب أمن المسلمین، إنهم یخوضون أنهارًا من الدماء کیلا یسیل دم لمسلم، إنهم یخوضون المعامع الحمر کیلا تطأ أقدام الأعداء أراضي المسلمین، کیلا یُداس عِرض المسلمین، کیلا تتنهك حرماتهم. إنهم فرسان میدان العمل، إنهم رجال بکل ما في الکلمة من معنی، إنهم أقمار في طریق الإسلام، یبددون حلکة الظلام، ویطردون فلول الظلمات، وينيرون الطريق لمن یسلکها.

إن الشهداء نماذج مضیئة نقتدي بهم، ولیقتد بهم شبابنا، ونسیر علی دربهم، ولیسر علی دربهم شبابنا، إنهم رموز شموخنا وقوتنا وسطوتنا، إنهم مظهر صمودنا واستقامتنا، إنهم سادتنا وقادتنا، إنهم نجومنا التي تلمع في جبین تاریخنا، إنهم هم الفاتحون المجهولون في الأرض، المعروفون في السماء، الذین هزموا جبابرة الأرض في کل معرکة، الجبابرة الذین کانوا یهتفون: “من أشد منا قوةً” وأجبروهم علی الانسحاب والخضوع مهطعین مقنعي رؤوسهم، وساقوهم إلی طاولة المفاوضات، وأجبروهم إلی التفکیر في الانسحاب وسحب قواتهم جمیعا. نعم، بفضل تضحیات شهدائنا قد استحالت أحلام الاستعمار التي طالما تراود الأمریکان إلی کابوس مزعج مخیف، إي والله. نعم، الفضل کله یعود إلیهم. ها نحن نحصد الآن الزرع الذي قام بحرثه وبذاره شهداؤنا، ونرقب النصر المبین بسبب جهادهم وتضحیاتهم. لله درّهم فقد صنعوا النصر، وصنعوا الحیاة، ولکن لیس لأنفسهم، إنما للآخرین، لإخوانهم المسلمین، وطلبوا النصر والشهادة في آن واحد، وحملوا دماءهم في أکفّهم، وأکفانهم علی أکتافهم.

إنهم ضحوا بالنفس والمال والولد، وبکل ما یمکن التضحیة به، إنهم بلغوا قلة الصدق والإیمان، وبرهنوا علیهما ببطولاتهم وتضحیاتهم، إنهم باعوا الدنیا وبهجتها وطراوتها، واشتروا الآخرة وسعتها ونعیمها. “إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة” إن الشهداء هم المشتاقون الصادقون إلی الجنة التي أعدّها الله للمشتاقین الصادقین أساساً، إنهم لیسوا کرجال یدّعون الشوق إلی الجنة، ولکن لا یسلکون سبیلها، کرجال یدعون حبّ الإسلام، ولا یدافعون عن حماه، یدعون حب النبي (صلی الله علیه وسلم) ولا یعملون بسنّته.

أحیانا أفکر: لو کانت للشهداء رسالة إلینا، إلی رفاق دربهم، لو کانت لهم کلمة معنا، ماذا کانوا یقولون؟ أظن بل أتأکد أنهم کانوا یقولون: “واصِلوا دربنا” نعم إنها رسالة غالیة جمیلة، رسالة ذهبیة، رسالة لا تعوض بثمن. سنحمل بإذن الله نفس الرسالة التي حملها شهداؤنا، ونؤمن بنفس القیم التي تبنّاها شهداؤنا، ونسیر في نفس الطریق التي نهجها شداؤنا، ونقاتل لإجل نفس الغایة التي استشهد لأجلها شهداؤنا.

وأخیرا، سلام علی الشهداء، سلام علی أمهات الشهداء، سلام علی أسر الشهداء! أنتم في قلب کل مسلم. هنیئا لکم الشهادة! هنیئا لکم هذا الوسام الإلهي! أیها الشهداء! یا تیجان رؤوسنا، یا أحبة قلوبنا! یا مصدر عزتنا! هنیئا لکم، هنیئا لکم، فقد کنتم أحق بهذا الشرف الذي ادّخره لکم ربکم، فلیتنافس المتنافسون في نیل هذه المنزلة، فإن قافلة الشهداء تسیر إلی الأمام، تسیر نحو الجنان، دون أن تلوي علی من یشتمها، أو یتّهمها بالإرهاب، إنها تسیر، ولن یضر القافلة نباح الکلاب.