قد آن لصفحة الذل والتبعية أن تنطوي

  كتبه: (عبدالوهاب الكابلي) حلقات متتالیة من مسلسل واحد یُعاد عرضه من قَبِلِ المحتلّین في البلاد الإسلامیة وهو مسلسل تسلیط الحكام العلمانیین الخونة علی الشعوب الإسلامیة لتسییر حكومات وأنظمة أوجدها المحتلّون في بلدان العالم الإسلامي. یُخرج الغرب هذا المسلسل بإتقان ومهارة، ویختار لحلقاته الممثلین والأبطال بدقّة فائقة، لیلعبوا الأدوار المطلوبة منهم بشكل موفّق وكأنّهم أبطال […]

 

كتبه: (عبدالوهاب الكابلي)

حلقات متتالیة من مسلسل واحد یُعاد عرضه من قَبِلِ المحتلّین في البلاد الإسلامیة وهو مسلسل تسلیط الحكام العلمانیین الخونة علی الشعوب الإسلامیة لتسییر حكومات وأنظمة أوجدها المحتلّون في بلدان العالم الإسلامي.

یُخرج الغرب هذا المسلسل بإتقان ومهارة، ویختار لحلقاته الممثلین والأبطال بدقّة فائقة، لیلعبوا الأدوار المطلوبة منهم بشكل موفّق وكأنّهم أبطال حقیقیون.

وهكذا استطاع المستعمرون والمحتلّون الغربیون أن یحكموا بلدان العالم الإسلامي بواسطة بعض أبنائها الذین تربوا علی أفكار الغربیین المحتلّین وأخلصوا لهم الولاء والطاعة. وبذلك ضَمِنَ الغرب استمرار سیطرته علی البلاد الإسلامیة، وأحكم قبضته علی زمام الأمور فیها، ولم یخسر فیها شیئاً بسحب قواته العسكریة منها، أو رفع إدارته المباشرة عنها. رحل الإنجلیز، والفرنسیون، والإیطالیون، والروس، والأمریكییون من البلاد الإسلامية، ولكن بقیت قوانینهم وسیاساتهم وأحزابهم التي أنشؤوها تحكم هذه البلاد.

و الحكام الذین یُسلّطهم الغرب علی البلاد الإسلامیة أو یقف داعماً لسیاساتهم وأنظمتهم في المجموع یتصفون بالصفات التالیة:

1 – العداء للإسلام الحقیقي الذي یجعل الناس عباداً لله تعالی وحده، ویمنعهم من أن یكونوا عبیداً للغرب.

2 – الاستعداد لمحاربة كل من یعمل لإقامة النظام الإسلامي ولتطبیق شریعة الله تعالی.

3- الإیمان بالقیم والمبادئ الغربیة، والقناعة بأنّ الإسلام لا یمكنه أن یقیم نظاماً یحل مشاكل البشر في جمیع مجالات الحیاة في هذا العصر.

4 – السیر في ركاب الغرب، وتأیید سیاساته وقراراته في المنطقة والعالم.

5 – القدرة علی قهر الشعوب الإسلامیة أو خداعها وتخديرها بالوعود الفارغة، وصرف أنظارها عن المشاكل الحقیقیة بآلاف البرامج الزائفة واختلاق الأزمات، أو بإلهائها ببعض المسلّیات أو المشاریع الوهمیة.

6 – العمل الجادّ لصياغة الشعوب الإسلامیة صياغة غربیة، وعزلها عن الإسلام في مجالات السیاسة والثقافة والاقتصاد والجندیة والمجالات الاجتماعیة الأخری.

7 – إجادة فنون النفاق والتظاهر بالالتزام بالإسلام إن اقتضی الأمر، والعمل الدؤوب لتفریغ الإسلام من تعالیمه وأحكامه الأصلیة وحشوه بمفردات الفلسفة الغربیة المعاصرة بطرق ماكرة وبإضفاء صفة (الإسلام المعتدل) عليها.

 

وقد استطاع الغرب خلال القرن الماضي أن یحكم شعوب العالم الإسلامي عن طریق أمثال هؤلاء الحكام، وأن یجعل الشعوب كالرعایا الطيّعین، من دون أن یكون لها أمر أو نهي علی الرغم من بلوغ عدد أفرادها إلی ملیار ونصف الملیار مسلم في العالم.

إنّ الحكام الذین سلّطهم الغرب علی شعوب العالم الإسلامي أحدثوا تغییرات سلبیة عظیمة في بنیة العالم الاسلامي، وقوّضوا بها كیان الأمة الإسلامیة، وحقّقوا للغرب من خلالها أهدافاً خطيرة كان الغرب يعجز عن تحقیقها بنفسه عن طریق الحروب والاحتلال العسكري المباشر، ومن هذه التغییرات المدّمرة ما یلي:

 

أولاً- في مجال الحكم والسیاسة:

قامت هذه الحكومات والأنظمة بإیجاد طرائق وقوانین تصوغ حیاة المسلمین -من جمیع جوانبها- صیاغة قسرية غربیة علمانیة، فنحّت الشریعة الإسلامیة عن الحكم والسیاسة، وغیّرت مفاهیم السیاسة في أذهان الشعوب المسلمة، وجعلت حق الحاكمیة والسیادة للبشر لیزاولوه كیفما شاؤوا وفق أهوائهم ورغباتهم، وهو حق خاص لله تعالی في التصور الإسلامي، ولیس للعباد فیه أدنی مشاركة، بل هم مأمورون بالاستسلام التامّ فیه لشریعة الله تعالی، ولا یصح إیمان العبد مالم یتحاكم إلی شریعة الله تعالی في جمیع شؤون حیاته التعبدیة والدنیویة كما یقول الله تبارك وتعالی: (فلا وربّك لا یؤمنون حتی یحكموك فیها شجر بینهم ثم لایجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضیت ویسلموا تسلیماً). [النساء:65].

یقول الأستاذ الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالی عن هذه الحقيقة في تفسیره (في ظلال القرآن) بعد ذكره لهذه الآیة وغیرها من آیات التحاكم إلی الله تعالی والكفر بالطاغوت: (إنّ الدین هو النظام الذي قرّره الله للحیاة البشریة بجملتها، والمنهج الذي یسیر علیه نشاط الحیاة بِرمّتها. والله وحده هو صاحب الحق في وضع هذا المنهج بلا شریك. والدین هو الاتباع والطاعة للقیادة الربانیة التي لها وحدها حق الطاعة والاتّباع، ومنها وحدها یكون التلقي، ولها وحدها یكون الإستسلام. فالمجتمع المسلم مجتمع له قیادة خاصة – كما له عقیدة خاصة وتصور خاص- قیادة ربّانیة متمثّلة في رسول الله صلی الله علیه وسلم وفیما یبلّغه عن ربه مما هو باقٍ بعده من شریعة الله ومنهجه. وتبعیة هذا المجتمع لهذه القیادة هي التي تمنحه صفة الإسلام وتجعل منه (مجتمعاً مسلماً). وبغیر هذه التبعیة المطلقة لا یكون (مسلماً) بحال. وشرط هذه التبعیة هو التحاكم إلی الله وإلی الرسول، وردّ الأمر كله إلی الله، والرضی بحكم رسوله وتنفیذه مع القبول والتسلیم. وهكذا یتحدد معنی الدین، وحدّ الإیمان، وشرط الإسلام، ونظام المجتمع المسلم، ومنهجه في الحیاة. وهكذا لا یعود الإیمان مجرّد مشاعر وتصورات، ولا یعود الإسلام مجرّد كلمات وشعارات، ولا مجرّد شعائر تعبدّیة وصلوات. إنما هو إلی جانب هذا وذلك، وقبل هذا وذلك نظام یحكم، ومنهج یتحكم، وقیادة تُطاع، ووضع یستند إلی نظام معیّن ومنهج معین، وقیادة معینة. وبغیر هذا كله لا یكون إیمان، ولا یكون إسلام، ولا یكون مجتمع ینسب نفسه إلی الإسلام). (في ظلال القرآن، سورة النساء، ص 562 ج 2 ).

فالحكومات التي فرضها المستعمر الغربي والشرقي علی بلاد العالم الإسلامي، ووقف مؤیداً لها على جميع الأصعدة، لیست فقط تفرض أنظمتها وقوانینها المخالفة لشریعة الله تعالی، بل هي في حرب شعواء ضدّ تطبیق شریعة الله تعالی، وهي منهمكة بكلّ ما أوتيت من قوّة في محاربة كلّ ماهو إسلامي، وتنفق الأموال الباهظة في صرف الشعوب المسلمة عن التمسك بالإسلام عقیدة ومنهجاً وسلوكاً. وقد سخّرت هذه الحكومات جمیع إداراتها العسكریة والمدنیة في صدّ المسلمین عن دین الله تعالی، ولم تكتف بذلك، بل لمّعت وزینّت كلّ (كفرِ) و(ضلال) و(مروق من الدین) للأجیال الناشئة عن طریق التعلیم والإعلام والثقافة.

و إلی جانب استيراد هذه الحكومات للقوانين الغربية وتطبيقها في بلاد الإسلام، أفسحت المجال أيضاً أمام العلمانيين والمارقين عن الإسلام ليؤسّسوا فيها الأحزاب والجماعات الليبرالية، والشيوعية، والقومية وما يسمّی بجمعيات المجتمع المدني العلماني لتستوعب أفراد وفئآت الشعوب الإسلامية في قوالبها وتشكيلاتها المتحرّرة من كلّ قيد ديني لتصوغها صياغة غربية، ولتقضي على ما تبقّی من الولاء لدين الله تعالی في نفوسها.

وبتبنّي الحكومات العلمانية والملكيات المستبدّة في بلاد العالم الإسلامي لنظرية (الدول القومية) قضت هذه الحكومات علی نظرية الخلافة في واقع المسلمين، وأفقدت في نفوس المسلمين الشعور بوحدة الأمّة الإسلامية، وبذلك فككت أوصال الأم الواحدة وجعلتها شعوباً متناحرة مختلفة الولاءات، وربطت مشاعرها وهوياتها التاريخية (بجاهليات) ماقبل الإسلام، فصارت تتنكر للإسلام العزيز، وتقدّس رموز الجاهليات، تتنصل من الانتماء إلی سلف هذه الأمّة، وتعتزّ بالجاهليات العربية، والطورانية، والفرعونية، والآشورية، والفينيقية، والمجوسية، والهندوكية، والبوذية، والآرية وغيرها من الهويات الجاهلية التي وأدها الإسلام تحت التراب، وأقامت علی أنقاضها بناء أمّة التوحيد تحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) إلا أنّ المستشرقين الغربيين الحاقدين علی الإسلام وعشاق الوثنية القديمة نفضوا عنها التراب مرّة أخری، ولمّعوها لعبّادها الجدد من القوميين والعلمانيين في بلاد العالم الإسلامي بإسم الآثار والتراث، وأضفوا عليها قداسة تفوق في أذهانهم ونفوسهم قداسة القرآن الكريم. وهكذا قدّموا للمسلمين في العالم قيماً وانتماءات سياسية جديدة تخالف قيم الإسلام العزيز التي يجب أن تكون فوق جميع القيم والانتماءات مهما كانت.(يتبع).