من الإستضعاف نحو التمكين

بقلم: خليل وصيل الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد! قبل أربعة عشر عاماً أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش حرباً صليبية للقضاء على الإمارة الإسلامية الفتية، داعياً باقي دول العالم للإنضمام إلى الحرب التي ستقودها أمريكا حيث قال في تحدٍ واضح للعالم كله: “إما أن تكونوا معنا، أو تكونوا مع الارهابيين”. فتكالب الصليبيون بعدّتهم […]

بقلم: خليل وصيل

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد!

قبل أربعة عشر عاماً أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش حرباً صليبية للقضاء على الإمارة الإسلامية الفتية، داعياً باقي دول العالم للإنضمام إلى الحرب التي ستقودها أمريكا حيث قال في تحدٍ واضح للعالم كله: “إما أن تكونوا معنا، أو تكونوا مع الارهابيين”. فتكالب الصليبيون بعدّتهم وعتادهم على الإمارة الإسلامية، ونظرا لضجيجهم الإعلامي وقوتهم العسكري زعم البعض أنهم سيلتهمون الإمارة الإسلامية ويبتلعونها في لقمة واحدة وسيدوسون المجاهدين تحت أقدامهم.

لقد كانت أياماً عصيبة ووقع المجاهدون في محن وابتلاءات كثيرة، حيث انضم إلى قوة الأجانب وغطرستهم غدر الأقارب وخيانتهم، وإلى همجية الأعداء خذلان الأصدقاء، وقد أخرج العدو جميع ما في جعبته من الأسلحة الفتاكة وقنابل الفسفور الحارقة.

ومعلوم أن جنود الحلف الصليبي لم ينزلوا إلى ساحة النزال إلا بعدما انسحب المجاهدون من المدن، وفي بداية الهجمة الصليبية كثفت أمريكا ضرباتها العشوائية الجوية والصاروخية على المدن والمناطق المكتظة بالسكان؛ مما تسبب في وقوع الخسائر في صفوف المواطنين العُزّل لذلك قررت الإمارة الإسلامية الانسحاب من المدن والمناطق السكنية، فصار المجاهدون ينسحبون من مدينة تلو الأخرى ويتركون المناطق والقرى.

ولما انحاز المجاهدون وما بقي تحت سيطرتهم إلا مناطق قليلة، ظنت أمريكا أنهم أثخنتهم الجراح وأضناهم التعب، فتقدم وزير الدفاع الأمريكي آنذاك دونالد رامسفلد ووجه لهم دعوة للاستسلام مهدداً لهم في حوار مع شبكة “ان بي سي” الأميركية: “إما أن تستسلموا وإما أن تٌقتلوا”. 

ولكن المجاهدين كانوا قد أقسموا على القتال حتى الرمق الأخير، فما لانوا وما استكانوا بل صمدوا وثبتوا رغم هذه الجراح ورغم كل هذه المحن، ورفضوا دعوات الاستسلام واقتدوا بأسد الصحراء وشيخ المجاهدين الشيخ عمر المختار رحمه الله حيث رددوا قولته الشهيرة بلسان الحال: “نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت”.

وبعد مدة انسحب المجاهدون انسحابا كليّاً، لينزل جنود الصليب إلى أرض المعركة، وغاب المجاهدون في الكهوف والجبال لأخذ قسط من الراحة، فظن الأغبياء أن المعركة قد انتهت وأنه قد تم القضاء على الإمارة الإسلامية لكنهم لم يعرفوا أن المعركة لم تبدأ بعد.

وبعد نزول القوات الصليبية إلى أرض المعركة، أراد المجاهدون تنسيق صفوفهم من جديد، فجعل المخذلون يثبطونهم ويدعونهم إلى القعود ويقولون لهم إرأفوا بأنفسكم، فأنتم تناطحون الجبل، ومن المستحيل محاربة هذا الحلف، لكن المجاهدين عزموا على الجهاد في سبيل الله فزأروا في وجه هذا الحلف المتغطرس المعتدي متوكلين على الله غير مبالين بدعوات التخذيل والتثبيط.

وهاقد مرّت أربعة عشر عاماً وهم يواصلون ضرباتهم على المحتلين وأذنابهم لا يكلون ولا يملون، فيخوضون المعارك تلو المعارك ويركبون المسالك والمهالك، ويسطّرون الملاحم ويفلّون الصوارم، و يتقدمون من نصر إلى نصر، وفي الشهور الأخيرة فتح الله لهم فتوحات مبينة وانتصارات عظيمة، فغنموا غنائم كثيرة وذخائر وفيرة، حتى أن الصليبيين المحتلين أبدوا قلقهم حول تقدم المجاهدين السريع.

أخبار سارة تأتينا من كابول وكابيسا ومن بكتيا وبكتيكا، ومن أورزجان وزابل، ومن فارياب وسربل، ومن قندز وبغلان، ومن تخار وبدخشان، ومن وردك وبروان ومن هرات وكوهستان، ومن هلمند وكندهار، ومن لغمان وننجرهار، ومن فراه ولوجر، ومن نورستان وكونر.

فكل يوم تأتينا المبشرات من جميع الجبهات ولله الحمد، فمن هنا بشرى فتح الولاية والمديريات، ومن هناك تهنئة بمناسبة سيطرة المجاهدين على القواعد والثكنات، هذا يبشرنا باستسلام العشرات من عناصر العدو، وذاك يخبرنا بتضييق الحصار على قواعدهم ومراكزهم، وفي العاصمة تدك العمليات الاستشهادية قوافل الصليبيين ومجنزراتهم، وفي الولايات الأخرى يسقط الأبطال طائراتهم ومروحياتهم، وإن كان هؤلاء المجاهدون يحرزون كميات كبيرة من الغنائم، فأولئكم الأبطال يقتحمون السجون ويحررون مئات من أسرى المسلمين من الزنازين والمعتقلات، كنا بالأمس نتلقى أخبار مقتل العشرات من المجرمين واليوم نسمع أنباء وقوع العشرات منهم في أسر المجاهدين.

نعم! لقد فتح المجاهدون خلال عمليات “العزم” المباركة عشرات المديريات، فبعد فتح ولاية قندوز فتحوا أكثر من عشرين مديرية، والحمد الله هم الآن مسيطرون على مناطق واسعة ومساحات شاسعة في مختلف الولايات.

إن هذا التقدم وهذه الفتوحات لم تأتِ بين عشيّة وضحاها، بل أحرزها المجاهدون بعد تضحيات جسيمة وبطولات كثيرة، وبعد مواجهة المصاعب والمتاعب، وبعد طول عناء وبلاء وعمل دؤوب وجهد متواصل، وبعد صبر ومصابرة وصمود وثبات وجهاد ومقاومة دامت لعقود من الزمن، لقد سالت دون هذه الانتصارات أنهار من الدماء وتطايرت لنيلها الكثير من الأشلاء، لقد ذهب بسببها الكثير من الشباب إلى ظلمات الزنانين والمعتقلات، وتحملوا التنكيل والتعذيب والمشقة. قال الله تعالى: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).

لقد بدأت الإمارة الإسلامية صراعها مع أعتى قوى العالم بالأيدي الخالية، فلم يكن المجاهدون يمتلكون في بداية المقارعة سوى بنادق مصدوءة ورصاصات معدودة، فخرجوا بأقدام حافية وبطون جائعة متوكلين على الله لمقارعة أعدائه الألداء حتى هزموهم بإذنه، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله.

واليوم عندما أرى المجاهدين وهم يدوسون مدرعات الأعداء تحت أقدامهم ورايات التوحيد ترفرف فوقها، أتذكر حالة الإستضعاف وأظن أننا نعيش تفسيراً حياً لقوله تعالى: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون).

إن هذه الفتوحات السريعة المتوالية تبشرنا بأن المجاهدين يسيرون نحو مراحل التمكين بخطى ناجحة نحو الإنتصار الكامل، فإنهم لا يشنون هجوماً على ثكنة أو مديرية أو مدينة إلا ويفتحونها في أسرع وقت ممكن.

وللعلم بأن الإمارة الإسلامية في هذه الظروف لا تريد إحكام السيطرة على المدن بل تضطر إلى الإنسحاب منها، لأن العدو الحقود اللدود لم يكف شره عنا بعد، فبعد سيطرة المجاهدين على منطقة بلدية يقوم بالقصف العشوائي الهمجي مما يتسبب في حدوث دمار كبير وسقوط ضحايا من الأبرياء العزل كما حصل في الآونة الأخيرة في مدينة قندوز، حيث قصف الصليبيون الحاقدون مستشفى لأطباء بلا حدود، ودمروا منازل المدنيين وقد قتل وجرح بسبب هذا القصف العنيف عشرات من أهالي قندوز، فاضطر المجاهدون إلى الإنسحاب من المدينة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهيء للمجاهدين أسباب التمكين في مشارق الأرض ومغاربها وأن ينصر عباده المؤمنين وأن يهلك أعداء هذا الدين وأن يجعل كيدهم في نحورهم إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.